دنيس روس الدبلوماسي الأمريكي ربما الأشهر لدوره وخبرته الطويلة في
التعامل مع قضية الصراع الفلسطيني ( والعربي أيضا)، لا يحتاج لتعريف.
دنيس
روس يقول في حديث لإذاعة "صوت إسرائيل" السبت 2 آذار الحالي، إن
"صفقة القرن لن تحظى بتجاوب جدي من جانب الأطراف العربية اذا لم تشمل إقامة
الدولة الفلسطينية المستقلة وأجزاء من القدس الشرقية عاصمة لها".
وان
" الجهود التي تبذلها إدارة ترامب لحشد تأييد الدول العربية المعتدلة مآلها
الفشل اذا لم تلب التطلعات الفلسطينية".
هذه الأقوال جاءت في مجرى الحديث المتواصل منذ مؤتمر وارسو الأخير عن
زيارة كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي وعراب صفقة القرن ومعه غرينبلانت إلى المنطقة
لزيارة عدد من دولها لتسويق صفقة القرن وبالتركيز على عنوانها الاقتصادي صاحب
الأولوية بالاهتمام وبالتوقيت في صفقة القرن.
بغض النظر عن خلفيات ومشاعر وقناعات وانحيازات المذكور( دنيس روس)
وكلها تذهب بالتأكيد باتجاه ولصالح دولة الاحتلال، فانه يقول الحقيقة بالتحديد
تجاه عنوان صفقة القرن الاقتصادي.
لم تعد صفقة القرن الأمريكية بمفاصلها الرئيسية ومحتواها المركزي في
باب التوقعات والتخمينات. فقد أعطى "كوشنر" في مقابلته مع سكاي نيوز العربية ولوسائل
إعلام أخرى ما يكفي من
التوضيحات لتأكيد الفهم والقناعة أن صفقة القرن لها عنوانان رئيسيان
متداخلان ومتكاملان:
العنوان
صاحب الأولوية في الاهتمام وفي التوقيت، هو إرساء علاقات طبيعية بين دولة الاحتلال
والدول العربية على طريق الوصول إلى التطبيع الكامل والمعلن.
ولهذا العنوان أساسان: أولهما، الموقف المشترك ضد ايران وتواجدها
ونفوذها بالمنطقة.
وثانيهما،
الأساس الاقتصادي. وهذا الأساس بقدر ما يعد بالسمن والعسل "ليس للفلسطينيين
والإسرائيليين فقط بل سيشمل المنطقة برمتها بما في ذلك الأردن ومصر ولبنان"،
فانه يشكل حلقة الوصل والمدخل إلى:
العنوان الثاني، في الاهتمام والتوقيت، وهو عنوان الصراع الفلسطيني
مع دولة الاحتلال.
في
هذا العنوان الثاني، لا يقدم كوشنر سوى تهويمات ووعود براقة العناوين( الحرية،
الاحترام، الكرامة والأمن). لكنه يقدمها بصياغات عامة وفضفاضة وعلى طلاق بائن مع
التحديد والمحتوى والآليات والتوقيت.
بهذا هو يترك لقرارات الإدارة الأمريكية أن تأخذ مداها في الترسخ
والاستقرار، وفي الرفع النهائي لموضوعي ( القدس، واللاجئين وحقهم بالعودة)، عن
طاولة أي بحث وتفاوض. وحين يتجاهل كوشنر أي حديث محدد عن "الدولة
الفلسطينية" وعاصمتها القدس فإنه يكمل ضرب المشروع الوطني الفلسطيني في
مفاصله الأساسية الثلاثة.
وبهذا يترك أيضا، لسلطة وقوة الأمر الواقع ( دولة الاحتلال) الحرية
التامة في فرض صياغاتها وترجماتها لكل العناوين التفصيلية الأخرى.
انه يقدم في هذا العنوان، كما تقول المقولة الشعبية المصرية،
"كلام مدهون بزبدة يطلع عليه النهار بيسيح" والنهار هنا، هو نهار
الحقائق المفصلية وشمسها الحارقة.
حقائق: القدس كمدينة وعاصمة فلسطينية ثم مقدساتها - اللاجئين وحق
العودة - الاستيطان والمستوطنات - المنطقة سي التي تأكل 60% من أراضي الضفة
الغربية - الأغوار- وحدة وتواصل الضفة وغزة - الأمن - طبيعة وصلاحيات الكيان/الحكم
الفلسطيني وحدوده ( دولة/ حكم ذاتي/ بين بين...) -....
وكلها عناوين حارقة تكوي بنارها الفلسطينيين أصحاب الحق فيرفضون أي
تنازل عن أي منها أو أي تمييع لها.
كما تكوي بنارها السارقين الذين يتمسكون بكل ما سرقوا ويرفضون إعادة أي
شيء منه لأصحابه الشرعيين.
كوشنر، ومعه رئيسه وإدارته، يعتقدون أن النجاح في العنوان الأول
سيفتح لهم طريق النجاح في العنوان الثاني.
هو ورئيسه وإدارته واهمون بالنجاح في أي من العنوانين: فبالنسبة
للعنوان الأول، من الصعوبة التي تقترب من الاستحالة تصور أن يقدم أي نظام عربي على
الإعلان عن القبول بصفقة القرن معها دون وقبل أن تتبنى بوضوح الحقوق الوطنية
الفلسطينية بأركانها الثلاثة: حق العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية
ذات السيادة وعاصمتها القدس، ودون أن تتوافق كذلك، مع المبادرة العربية للسلام في
مبادئها وفي ترتيب أولوياتها.
الموقف العربي، جرى تأكيده على لسان اكثر من مسؤول عربي وأكثر من
هيئة سيادية في اكثر من بلد عربي، وفي اكثر من مؤتمر أو اجتماع عام.
وبالنسبة للعنوان الثاني، فانه من الاستحالة أن يقبل أي طرف فلسطيني
رسمي (م ت ف والسلطة الوطنية) وسياسيي (التنظيمات والفصائل) وقوى وشخصيات المجتمع
المدني والأهلي والناس أجمعين، بصفقة القرن كما يتم تقديمها.
لا يغير من هذا الموقف الإجماعي أية خلافات أساسها الانقسام واي درجة
وصلت إليها من الإسفاف والتطاول على منظمة التحرير والمؤسسات الجامعة. ولا يغير
منه أي شكوك تخلقها بعض المواقف والتصرفات شديدة النفور والذاتية والانفرادية
والانقسامية من بعض الأطراف.
أما دولة الاحتلال، فإن كثيرا من مكوناتها السياسية والمجتمعية تتشكك
في صفقة القرن وتميل لرفضها لأنها ترفض مبدئيا وعقيديا تقديم أي تنازل قد تتطلبه
الصفقة مهما كان ثانويا، شكليا، ومحدودا.
لكنها تتلطى خلف الرفض الوطني الفلسطيني، ولا تجد نفسها مضطرة لإعلان
أي خلاف مع الصفقة. يساعدها على ذلك أن الصفقة تنسجم بدرجة عالية جدا مع رؤاها
ومطالبها ومواقفها الرئيسية.
يبقى مفتاح الموقف من صفقة القرن بيد الطرف الفلسطيني، وتبقى قدرته
وكفاءته على مواجهتها والصمود في وجه مصاعبها وتبعاتها، وقدرته على لعب دوره
المطلوب في تمتين الموقف العربي،
تبقى في وحدة وصلابة موقفه الرافض والمتصدي لها وفي قدرته على مغادرة
حالة الاستعصاء التي يعيشها لجهة وحدته الوطنية ووحدة قراره الوطني.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية