لم تنقلب المغرب على المملكة العربية السعودية، بل على العكس من ذلك تماما، فالرباط بقيت تاريخيا تقف في صف الرياض في غالبية الملفات الملتهبة في الإقليم. وهذا لا يعني تبعية مغربية للسعودية، فالعاهل المغربي جاء من أسرة عريقة أدت دورا كبيرا في النضال المغربي لنيل الاستقلال، وعليه لا يمكن أن يقبل لا من قريب ولا من بعيد الامتثال لرأي قادم من السعودية أو من غيرها، إن لم يكن ذلك في مصلحة بلاده.
ما لا يفهمه صنّاع القرار الجدد في الرياض، بأن دولة بحجم ومكانة واحترام المغرب، لا يمكن لها أن تخضع سياستها الخارجية وفقا لأولويات السياسة السعودية، وبخاصة أن الرياض بدأت منذ سنوات قليلة بمقاربة ستصل في نهاية الأمر إلى تصفير الأصدقاء، فوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يرى السياسة كأبيض وأسود، وعليه فإن الذي لا يقف معه هو ضده بالضرورة إذ لا مكان للحياد.
لكن السعودية أيضا تفتقد للحساسية وهي تخط لنفسها سياسة خارجية، وإن كانت أحيانا على حساب العرب، فمثلا قامت السعودية بالتصويت للولايات المتحدة وكندا على حساب المغرب في التنافس على تنظيم بطولة كأس العالم، ولم تعتذر السعودية واعتبرت ذلك حقا سياديا لها. لا فض فوك، هذا موقف سليم، لكن عليها أن تقبل سيادة واستقلالية الأشقاء أيضا.
والحق أن علاقة المغرب بالسعودية ليست على ما يرام، فالمغرب رفض إلا أن يكون محايدا في الأزمة الخليجية، الأمر الذي أثار حفيظة السعودية التي كانت تفترض أن العرب سيهبون هبة رجل واحد ويحاصرون قطر! هذا الافتراض يستند إلى عدم فهم كيف تصوغ الدول سياساتها الخارجية، وبالفعل كان حجم التوقعات في الرياض كبيرة، وإذا بالمغرب توجه له صفعة على صيغة ألا أحد يفرض على المغرب علاقاته الخارجية.
لكن يبدو أن المغرب لم تعد تخجل من توجيه انتقادات ولو بشكل غير مباشر، فالعاهل المغربي أراد أن ينأى بنفسه عن ولي العهد السعودي ولم يرحب بزيارته للمغرب، التي جاءت في سياق سعي ولي العهد إلى إعادة تأهيل نفسه، بعد أن أصبح المتهم الأول في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي. وهذا الموقف حق للمغرب الذي يريد أن تكون علاقاته مع السعودية ذات طابع ندي، ومبنية على أسس بعيدة عن التنمر.
وكأن هذه التوترات لم تكن كافية، فالمغرب قام بسحب مشاركته من الحرب في اليمن بعد أن تحولت الحرب عن هدف إعادة الشرعية، وأصبحت باعتراف المنظمات الدولية حربا عدوانية يدفع الشعب اليمني ثمنها الباهظ. والمغرب تريد مساعدة السعودية وإعادتها إلى الطريق الصحيح، لكنها لا تريد أن تكون شريكة بحرب أنتجت كوارث إنسانية. وجاء الرد السعودي عن طريق التحرش بالمغرب بإثارة ملف الصحراء المغربية، إذ قامت قناة العربية المحسوبة على السعودية ببث فيلم وثائقي تضمن وجهة نظر الثوار فقط.
ردة فعل السعودية تكشف عن بنية ذهنية تدميرية، فالرياض بهذا المعنى تطعن المغرب من الخلف لأن الصحراء الغربية هي أرض مغربية وفقا للمغرب، التي ترى فى ثوار جبهة البوليساريو خارجين عن القانون. فبدلا من التواصل مع المغرب والاتفاق على حل الأمور العالقة أو توضيح وجهات النظر، تلجأ الرياض مرة أخرى إلى سياسة قائمة على التحرش والتنمر، ما استدعى الرد المغربي ودعوة السفير المغربي في السعودية إلى الرباط للتشاور.
طبعا، لا يمكن للسعودية التي تنشر معارضيها بالمناشير أن تدعي بأن العربية قناة مهنية وتقوم بدورها باستقلالية، فما قامت به قناة العربية إنما تعبير عن سياسة سعودية رسمية قامت مؤخرا بضم المغرب إلى قائمة الدول المستهدفة، مما يعني ارتفاع عدد خصوم السعودية. في تقديري أن إيران فرحة بما يحدث، ولسان حالها يقول: مع أعداء مثل هؤلاء من يحتاج إلى أصدقاء؟
عن صحيفة الشرق القطرية