لا يوجد صراع إسرائيلي – فلسطيني، هذا ما كتبه ماتي فريدمان، كاتب مساهم في صحيفة نيويورك تايمز وأحد المدافعين عن الرواية الإسرائيلية، الأربعاء الماضي.
القول بذلك، يقول فريدمان يخفي حقيقة أن التهديد للأمن الإسرائيلي مصدره اليوم إيران، التي تبعد أكثر من 1000 ميل عن حدود إسرائيل، الجماعات المتطرفة، وعدم الاستقرار الإقليمي.
الفلسطينيون ضحية كل ذلك لأن إسرائيل تحتاج أرضهم للدفاع عن نفسها!
إيران، يقول فريدمان، تهدد إسرائيل من خلال نفوذها ووجودها في سوريا والعراق ولبنان.
صواريخها وراداراتها تغطي إسرائيل، وجنودها جاهزون للانقضاض على إسرائيل عندما تتاح لهم الفرصة، وإسرائيل مهددة من "داعش" في سيناء ومن حزب الله في لبنان وهؤلاء ليسوا فلسطينيين، يقول فريدمان.
صحيح أن "حماس" الفلسطينية تشكل خطرا على إسرائيل، لكن هذا الخطر أقل بكثير من خطر حزب الله.
لو سقطت "الأردن" في يد إيران، وهذا هاجس إسرائيلي كبير، يقول فريدمان، فإن الدبابات الإيرانية يمكنها أن تصل تل أبيب في ساعة ونصف الساعة، لهذا من الضروري لإسرائيل أن تحتفظ، على الأقل في الوقت الحالي، بالضفة الغربية، رغم أن ذلك مؤلم للفلسطينيين، من أجل الدفاع عن أمنها ووجودها!
في المحصلة يقول فريدمان: بينما أعين العالم مركزة على ما يجري للفلسطينيين، فإن أعين الإسرائيليين مركزة على ما يجري في جوارهم.
وحتى لو أعطوا الفلسطينيين "دولتهم"، فإن ذلك لن يلغي التهديد لوجودهم من قبل إيران والجماعات المتطرفة في المنطقة ومن الانقسامات المذهبية فيها.
الحل لمشكلة الفلسطينيين، يقول فريدمان، ليس بإعطائهم دولة خاصة بهم "على أرضهم"، ولكن في تجميد الاستيطان ومعه ما هو قائم حاليا، والتركيز على تخفيف معاناة الفلسطينيين "معيشيا".
لا يوجد أسوأ من هذه الرواية التي يجري تصديرها للعالم: إسرائيل تدرك أنها تسبب ألما للفلسطينيين باحتلالها لأرضهم، لكن أيديها مغلولة لأنها لا تستطيع إنهاء احتلالها؛ لأن القيام بذلك سيجعلها ضحية لإيران ولأوضاع الشرق الأوسط المضطربة.
وبالطبع ما ينطبق على الضفة ينطبق على الأراضي العربية الأخرى التي تحتلها إسرائيل بما فيها الجولان ومزارع شبعا.
ليس هنالك أسوأ من تحميل الضحية أزمات الآخرين، ولا أعرف لماذا لم يقل السيد فريدمان، إن إسرائيل رفضت الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها، عندما قامت أكبر دولة عربية بعقد معاهدة سلام مع إسرائيل، عندما كان شاه إيران حليفا لهم وقبل أي وجود إيراني في المنطقة.
ولماذا رفضت إسرائيل السلام مع الفلسطينيين، عندما ذهب العرب جميعهم لمؤتمر مدريد العام 1991 وقبل الحضور الإيراني في المنطقة.
ولماذا رفض الإسرائيليون الانسحاب من الأراضي التي يحتلونها بعد توقيع اتفاق أوسلو.
ولا يعرف أحد أيضا كيف يمكن لإسرائيل حماية نفسها من "الصواريخ الإيرانية" واضطرابات العالم العربي باحتفاظها بأراضي الفلسطينيين والعرب.
ولا لماذا يستمر الاستيطان الذي لم يترك مجالا لقيام دولة فلسطينية، إن كانت المسألة هي الصراع مع إيران وليس مع أصحاب الأرض التي يحتلها الإسرائيليون.
الأكاذيب التي يسوقها من يعملون لحساب إسرائيل من الأمريكيين ليست جديدة.
هل تذكرون كيف ربطوا حل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين برحيل الرئيس عرفات العام 2002؟ رحل الرئيس عرفات، لكن الاحتلال والاستيطان مستمران.
هل تذكرون أكذوبة ضرورة بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية من أجل قيامها؟ بنيت المؤسسات، لكن الاحتلال والاستيطان مستمران.
هل تذكرون الحديث عن أهمية بناء مؤسسات أمنية قوية تنسق مع إسرائيل، من أجل إعطاء الأخيرة الشعور بالأمن لتشجيعها على الانسحاب من الأرض الفلسطينية التي تحتلها؟
بنيت المؤسسات والتنسيق الأمني يحمي إسرائيل بشكل يومي، لكن الاحتلال والاستيطان مستمران.
هل تذكرون الحديث الإسرائيلي ومؤيديه من الأمريكيين عن عدم إمكانية تحقيق السلام لوجود سلطتين في الضفة وغزة؟ لكن أو ليس هم من منع الوحدة وهدد السلطة في الضفة بالعقوبات إن ذهبت باتجاه التفاهم مع "حماس"!
باختصار أكاذيب إسرائيل وداعميها في أمريكا لا تنتهي، وهدفها الوحيد إبقاء الوضع الحالي للفلسطينيين كما هو، من أجل استكمال إلحاق مناطق "ج" بإسرائيل، التي تشكل ما نسبته 60% من مساحة الضفة الغربية.
الحقيقة أن هنالك تقارير فلسطينية مدعومة بصور جوية تقول إن إسرائيل قد استكملت سيطرتها على ما نسبته 72% من مناطق "ج"، وهذا يعني أن فرصة قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل قد انتهت، وأن صراع الفلسطينيين مع إسرائيل قد دخل مرحلة جديدة على الفلسطينيين أن يقرروا فيها اتجاه مطالباتهم القادمة وآليات تحقيقها:
هل سيستمرون في تبني حل الدولتين وهم يعلمون أن هذا الحل قد أسقطته إسرائيل؟ وإذا استمروا فيه، بأي أدوات سيحققونه؟ بالمجتمع الدولي، فقط، الذي يريد حل الدولتين دون إغضاب إسرائيل؟ أم سيتبنون حل الدولة الواحدة وسيعملون في هذا الاتجاه بكل ما له من استحقاقات؟
من الضروري الرد على كل الأكاذيب الإسرائيلية وداعميها في أمريكا، لكن الأهم هو عدم التعاطي معها وعدم القبول بتحويلها لبرامج عمل لاستمالة المجتمع الدولي، مثلما حصل عندما قبل الفلسطينيون خطة الرباعية الدولية.
المطلوب هو التركيز على حقيقة أن من يرفض السلام ومن لا يريد حل الدولتين أو الدولة الواحدة، هو دولة الاحتلال.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية