يشكل قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن إعادة العمل بالسفارة الإماراتية بدمشق، تحولا بارزا في موقفها المعلن ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، فالقرار جاء وفقا لما تقول أبوظبي إنه يتماشى مع منطقها الاستراتيجي الذي بات يرى بأن الاشتباك مع النظام السوري من خلال فتح السفارة، إنما يساعد في حماية سوريا من التدخلات الإيرانية والتركية.
طبعا يحق للإمارات أن تقيم علاقات مع أي نظام تريد، لكن التبرير الإماراتي لهذه الخطوة ينطوي على تضليل كبير، فكيف يمكن لهذا القرار المفاجئ أن يحارب النفوذ الإيراني في سوريا، في وقت أصبحت فيه إيران اللاعب الأهم في المشهد السوري، ناهيك عن دور أذرع إيران في سوريا مثل حزب الله الذي استطاع أن يتمترس داخل سوريا، ما يعني أن النفوذ الإيراني أكبر بكثير من خطوة إعادة العمل بالسفارة. فقرار أبوظبي جاء اعترافا بنظام بشار وانتصاراته المدعومة إيرانيا، ما يعني مباركة إماراتية للنفوذ الإيراني.
بتقديري ارتكبت الإمارات خطأ كبيرا عندما أقدمت على هذه الخطوة، دون أن تكون في سياق العمل العربي المشترك والتنسيق مع الأطراف القادرة على الضغط على نظام بشار، واللافت ما عنونته صحيفة الأخبار اللبنانية تعليقا على هذه الخطوة، واصفة إياها بعودة «المهزومين». فالنظام السوري ومعه إيران ينظران إلى الخطوة الإماراتية بأنها إقرار بالهزيمة، وعليه طالبت بعض المصادر السورية من الإمارات تقديم اعتذار عن دعمها للثورة.
لكن، ربما ينبغي وضع الخطوة في سياقها الصحيح، فالإمارات لم تسع مطلقا لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، فهي تقيم علاقات تجارية توصف بأنها الأكبر، كما لا تطالب الإمارات باستعادة جزرها المحتلة منذ ما يقارب الأربعة عقود. وبهذا المعنى ترفع الإمارات راية العداء لإيران في حين أنها تستمر في السعي لتحقيق مصالحها البعيدة كل البعد عن تحجيم الدور الإيراني. وما مشاركتها بحرب اليمن إلا الدليل على هذا الافتراض، والراهن أن الإمارات استغلت ووظفت مخاوف النظام السعودي من إيران لشن حرب في اليمن، تسعى الإمارات من ورائها إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية التي ليس من ضمنها إبعاد إيران عن اليمن.
وعلى نحو لافت، ضربت الإمارات الإجماع الخليجي عرض الحائط، فقرار سحب السفراء من العاصمة دمشق الذي جاء في شهر شباط/فبراير من العام 2012، كان قرارا جماعيا وافقت عليه كل دول الخليج، والآن اتخذت الإمارات قرارها بإعادة العمل بالسفارة بشكل منفرد، دون أن تجري مشاورات مع شركاء الأمس! وكان الأولى والأجدى أن تسعى الإمارات إلى التوافق مع شركاء الأمس، ومقاربة موضوع إعادة العمل بالسفارة من منطق المقايضات مع نظام لم يعد يحتاج سفارة إماراتية أو بحرينية.
هل انقلبت الإمارات على السعودية؟ من المبكر الحكم على هذه الخطوة ولا نعرف إن كان قرار الإمارات نابعا من رؤيتها الخاصة، أو أنه جاء نتيجة لتنسيق مع حليفتها في الحرب على اليمن! لكن ما نعرفه أن الإمارات ليست مسكونة بالخطر الإيراني وإنما بما تراه من بروز للإسلام السياسي المعتدل الذي يمثله رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان. فيقينا، لا تسعى الإمارات من هذه الخطوة المتسرعة إلى محاصرة النفوذ الإيراني في سوريا، بقدر ما تريد أن تقيم تحالف الأمر الواقع مع النظام السوري الذي يتوجس كثيرا من تركيا وبخاصة في منطقة شرق الفرات وإدلب. فإعلان النية عن الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات، فتح شهية الإمارات للتقارب مع سوريا -ومن ثم مع إيران-، بهدف محاصرة النفوذ التركي، الأمر الذي لم يخفه الوزير الإماراتي في تغريداته القرقاشية، التي تظهر تركيا وكأنها تحتل سوريا!.
عن صحيفة الشرق القطرية