في صيف عام 1987 الحارق، كنت ضابطا صغيرا في الأسطول أبحر في طريقي
إلى داخل الخليج العربي عن طريق مضيق هرمز، وذلك على متن الطراد «فالي فورج» الذي
كان جديدا تماما وشديد التسليح، لحمايتنا من تهديد الصواريخ والهجمات الجوية
الإيرانية.
كان
ذلك في خضم الحرب الإيرانية - العراقية التي استغرقت 8 سنوات وراح ضحيتها أكثر من
نصف مليون إنسان. وكانت مهمتنا الإبقاء على خطوط الملاحة العالمية مفتوحة في وقت
سعت فيه إيران لبسط سيطرتها على هذا المضيق الحيوي الذي تتدفق من خلاله نحو 35 في
المائة من شحنات النفط العالمية المحمولة بحرا.
بدت
المهمة مثيرة وخطيرة. وعلى مدار العام التالي، شن الأسطول الأميركي أخيرا هجوما ضد
الأسطول الإيراني، انتقاما لإحدى فرقاطاتنا التي كادت تغرق بسبب تفجير لغم إيراني
بها. في نهاية الأمر، سوّى العراق وإيران خلافاتهما، وأبرم اتفاق سلام مقلقل بين
العرب والفرس على ضفاف مياه الخليج الحارة والضحلة، استمر على امتداد العقود
الثلاثة التالية، رغم حدوث موجات تصعيد من حين لآخر.
اليوم،
تتصاعد التوترات في منطقة الخليج مجددا، خصوصا في مضيق هرمز، ويوما بعد آخر تعلو
أصداء تلك الصراعات التي اشتعلت منذ 30 عاما مضت. من ناحيتها، كشفت إسرائيل عن
مجموعة جديدة من الوثائق الإيرانية المسروقة التي تكشف الغش الذي تمارسه إيران
بخصوص برنامجها النووي وعزمها على استكماله.
والآن؛
كيف يمكن أن يبدو الصراع في مضيق هرمز؟ وإلى متى قد يستمر؟ وقبل كل شيء، ما الإستراتيجية
المثلى التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها تجاه إيران؟
من
جانبها، تضغط إيران بقوة، دبلوماسيا وعسكريا، لتمديد نفوذها إلى داخل كثير من
الدول العربية بأرجاء المنطقة: العراق وسوريا وقطر ولبنان واليمن.
أما
السعودية، تحت القيادة الديناميكية للأمير الشاب والقدير محمد بن سلمان، فعاقدة
العزم على وقف أي زحف فارسي جديد إلى داخل العالم العربي.
لا
شك أن النقطة المحورية بالنسبة للمنطقة بأسرها فتكمن في المدخل البحري الضيق
المسمى «مضيق هرمز» والذي لا يتجاوز عرضه 30 ميلا. ونعلم أن لدى إيران خططا
تفصيلية لإغلاق المضيق.
وتنوي من أجل تنفيذ ذلك استخدام مجموعة متنوعة من السبل؛ منها
استخدام الألغام على نطاق واسع، وحشود من القوارب الصغيرة فائقة السرعة، وصواريخ
مثبتة على الساحل، وطائرات يقودها طيارون، وغواصات ديزل.
بطبيعة
الحال، يعد كل هذا غير قانوني وفقا للقانون الدولي، وستترتب عليه العواقب المقصودة
والمتمثلة في تحدي الولايات المتحدة والدول العربية الخليجية مع دفع أسعار النفط
نحو الارتفاع.
حول
ما يخص الاستجابة، من المؤكد أن استجابة الولايات المتحدة وحلفائها ستأتي قوية.
وسيهاجم أسطولنا أي سفن إيرانية تحاول زرع ألغام، وسيتم توجيه ضربات لأي مواقع
صواريخ في نطاق المضيق، وإغراق أي غواصات ديزل إيرانية، وقد تشن هجمات عقابية ضد
أهداف حدودية داخل إيران (وإن كانت الاستجابة الأولى من المحتمل أن تستهدف فقط
الأسلحة والأنظمة المستخدمة في إغلاق المضيق من أجل الحفاظ على قواعد الحرب
المرتبطة بالتناسب).
بمعنى
آخر، فإنه في الوقت الذي توجد فيه لدى إيران خطط تفصيلية لإغلاق المضيق، لدى
الولايات المتحدة خطط طوارئ للاستجابة وإعادة فتح المضيق. إلا أن هذه ستكون عملية
أطول مما تظنه الغالبية، خصوصا إذا حظيت إيران بفرصة زرع عدد كبير من الألغام في
المياه. المعروف أن التخلص من الألغام عملية مرهقة ومكلفة وتستغرق أسابيع، إن لم
يكن شهرا، لإنجازها.
الملاحظ
أن الرئيس دونالد ترامب، الذي لطالما أبدى كراهيته لإيران ومقته للاتفاق النووي
الذي أبرمته معها إدارة أوباما، جاء رد فعله حادا إزاء إشارة خامنئي المبطنة للعب
بورقة مضيق هرمز حال فرض الولايات المتحدة عقوبات إضافية ضد بلاده. ومن خلال ذلك،
يحاكي ترامب أسلوب التعامل الأميركي مع كوريا الشمالية، وذلك برهانه على أن خامنئي
والمتشددين في طهران سيتراجعون ويختارون المسار الدبلوماسي، بدلا من الحرب.
بيد
أنه للأسف الشديد يتسم الإيرانيون بطابع أيديولوجي أعمق كثيرا من كيم يونغ أون.
الحقيقة أن كيم أشبه بزعيم عصابة من السهل أن يستجيب لحوافز مالية. في المقابل،
نجد أن آيات الله يحملون بداخلهم حماسا دينيا، ويبدي كثير منهم استعدادهم للموت من
أجل الوقوف بوجه «الشيطان الأكبر».
وعليه،
فإن الإستراتيجية الفضلى بالنسبة للولايات المتحدة أكثر من التغريدات الغاضبة،
صياغة إستراتيجية شاملة قوية ولكنها عقلانية في الوقت ذاته تجاه إيران. وينبغي أن
تتضمن العناصر الأساسية لهذه الإستراتيجية تعزيز جهود المراقبة وجمع المعلومات
(خصوصا بالتنسيق مع إسرائيل)، وبناء دفاعات صاروخية أقوى للقواعد الأميركية
المحورية بالمنطقة، واستخدام مزيد من الهجمات السيبرية لتقويض الخيارات الإيرانية،
والدفع بقوات بحرية أكبر إلى المنطقة، خصوصا بحر العرب الشمالي، وقبل كل شيء ضمان
وقوف الحلفاء الأوروبيين إلى جانبنا فيما يخص فرض عقوبات أشد صرامة ضد النظام
الإيراني.
المؤكد
أن العنصر الأخير سينطوي على صعوبة هائلة في أعقاب الانتكاسات التي شهدتها قمتي
مجموعة الدول الـ7 و«الناتو»، حيث أثار ترامب سخط قيادات الدول الحليفة. وستبقى
هذه المشاعر السلبية داخل أوروبا سببا في فجوة كبيرة بين الإدارة الأميركية وأفضل
شركائنا في أوروبا.
ولا
يسع المرء سوى الأمل في أن يتمكن وزيرا الخارجية مايك بومبيو والدفاع جيمس ماتيس
من العمل على إعادة توحيد الصف مع حلفائنا، مع صياغة إستراتيجية ذكية للتعامل مع
التهديد الإيراني.
لقد
سبق أن عايشنا مثل هذه اللحظات من قبل، ونجحنا في إبقاء مضيق هرمز مفتوحا وعجلة
الاقتصاد العالمي مستمرة في الحركة. إلا أن تكرار هذا الإنجاز هذه المرة يتطلب
مزيجا دقيقا من القوتين الصلبة والناعمة، وإستراتيجية متناغمة للتعامل مع التهديد
الإيراني القائم على الأرض.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية