نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا، تحدثت فيه عن مظاهر تفشي الإسلاموفوبيا في حزب المحافظين البريطاني، حيث بات العديد من أعضائه يكنون العداء للإسلام والمسلمين البريطانيين. وقد دفع هذا الأمر المجلس الإسلامي البريطاني للتحرك، ومطالبة رئيس الحزب باتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار هذه الظاهرة.
وأشار التقرير إلى أن إن لدى حزب المحافظين مشكلة مع المسلمين. حيث لا يتعلق الأمر بعدد من الحالات، ولا هي مجرد عدد من المواد المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تم إخراجها من سياقها، فبقيت المشكلة تتنامى لسنوات دون أن يضع أحد لها حد، بالرغم من تحذيرات أعضاء الحزب المسلمين، حيث أصبحت الآن طبيعية إلى درجة أن هناك تكرارا للتجاوزات بوتيرة مقلقة
وقالت الصحيفة، في هذا
التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن التعصب ضد المسلمين البريطانيين وصل
إلى ذروته في صفوف حزب المحافظين البريطاني، وأصبح مقبولا بشكل مطرد. ويفسر ذلك
ردود الفعل المعادية للإسلام التي يقوم بها العديد من أعضاء البرلمان في العلن دون
الخوف من العقاب.
وذكرت الصحيفة أنه في سنة
2011، زعمت سعيدة وارثي، الرئيس المشارك لحزب المحافظين البريطاني آنذاك، أن
الإسلاموفوبيا تجاوزت نطاقها الضيق، حيث أصبح هذا التعصب ضد المسلمين
البريطانيين مقبولا بشكل متزايد داخل الأوساط المرموقة. وقد بات من الواضح منذ ذلك
الحين أن الأمر امتد إلى حزب المحافظين نفسه.
وأفاد التقرير بأن أعضاء الحزب المسلمين
تحدثوا عن مواقف عنصرية متعلقة بالدين، ومحادثات كانت فيها العنصرية ضمنية بشكل كبيرـ وأخرى كانت العنصرية واضحة بأنه للتقدم في الحزب فإن على العضو المسلم أن يتخلى عن أكبر
قدر ممكن من هويته الدينية، لافتا إلى أن هناك تكرارا لمثل هذا، حيث كتب بيتر أوبورن الأسبوع
الماضي بأن بحثه على مدى السنوات أوصله ألى أنه من المستحيل لمسلم ملتزم أن يشق
طريقه إلى مواقع عليا في حزب المحافظين.
وقالت الصحيفة إن "التمييز العنصري ليس مرتبطا بحزب بعينه، لكنه يتصاعد
من خراب في الأسس. وهناك سبب بأن يكون التعصب الأعمى ضد المسلمين، الذي تطور على
مدى العقدين الماضيين، عشعش في اليمين، ووجد حضنا في حزب المحافظين. وهناك تداخل بين
كراهية المسلمين والعدوانية بشكل عام تجاه المهاجرين، التي تشكل حجر الزاوية في
الحزب. وهناك سبب بأن هذا التوجه زاد في الحزب اليوم. وزاد توجه الحكومة نحو الشعب
الأصلي بعد التصويت على بريكسيت، والميل نحو اليمين المتطرف، ما أكسب الحزب أصوات
ناخبي الأحزاب اليمينية، مثل حزب الاستقلال البريطاني والحزب الوطني البريطاني".
ونوهت الصحيفة إلى أن
هارون خان، الأمين العام لمجلس مسلمي بريطانيا، تواصل مع رئيس الحزب، براندون
لويس، مشيرا إلى لائحة من الحوادث التي تجسد الإسلاموفوبيا، والتي حظيت باهتمام
الرأي العام، جدت خلال أقل من شهرين، وقد طالب خان لويس بإجراء تحقيق مستقل حول
مظاهر الإسلاموفوبيا في الحزب، واعتماد برنامج لمعالجة هذه المسألة.
وأوضحت الصحيفة أن أبرز
قضية طالت أحد المسؤولين رفيعي المستوى في الحزب قام المجلس البريطاني الإسلامي
بطرحها، تعود إلى أحد أعضاء البرلمان، بوب بلاكمان. وقد قام بلاكمان بإعادة نشر
تغريدة لتومي روبنسن، مؤسس رابطة الدفاع الإنجليزية، الذي أشار فيها إلى أن الهجوم
الذي استهدف المعبد الهندوسي يجسد "حقيقة أن تكون محاطا بالإسلام". وقد
ذكر روبنسن في وقت لاحق أن ما نشره كان على سبيل الخطأ.
كما تداول بلاكمان منشورا
على حسابه على "فيسبوك" من موقع معاد للإسلام، في حين قام باستضافة تابان غوش، أحد
أبرز القوميين الهندوسيين المتشددين المعروف بمعاداته للإسلام في اجتماع للبرلمان.
لكن بلاكمان لم يتخذ في حقه أي إجراء تأديبي. ومن المثير للاهتمام أن تيريزا ماي
اختارت أن تسانده في حملته الانتخابية في الدائرة الانتخابية التي يمثلها بلاكمان
في المجلس خلال شهر آذار/ مارس.
كما أشارت الصحيفة إلى
العديد من الحوادث الأخرى التي قام المجلس البريطاني الإسلامي بطرحها، بما في ذلك
إقدام أحد أعضاء البرلمان المحافظين الذي قام بمشاركة مقال على وسائل التواصل
الاجتماعي يدعي أن المسلمين الفرنسيين "سعيدون بالاستفادة من الامتيازات التي
تقدمها لهم الدولة، في حين يتكاثرون مثل الأرانب". بالإضافة إلى ذلك، ذكر عضو آخر أن "بريطانيا يجب أن تلغي هجرة المسلمين"، في حين قام عضو ثالث بنشر
صورة لشريحة لحم الخنزير المقدد معلقة على مقبض الباب، مرفقا الصورة بالتعليق
التالي: "لحماية منزلك من الإرهاب". وأكد المجلس الإسلامي البريطاني أن
هذه الحوادث مجرد نماذج في ظل تواتر الممارسات المماثلة.
وقالت الصحيفة إن كبار
المحافظين المسلمين، بما في ذلك سعيدة وارثي واللورد محمد ألطاف شيخ، أيدا الدعوة
التي تقضي بإجراء تحقيق مستقل فيما يتعلق بهذه الحوادث. وتفيد وارثي بأنها حاولت في
الكثير من المناسبات دفع قيادة الحزب إلى التركيز بشكل جدي على مثل هذه القضايا
لكنها فشلت، مؤكدة أن حزب المحافظين يخفي في طياته نزعات الإسلاموفوبيا.
وفي حال استمرت تيريزا
ماي في تجاهل هذه الادعاءات الخطيرة، فلن تستطيع تجنب التهم التي تفيد بأن
المحافظين لا يرغبون في مواجهة العنصرية في صفوفهم. وفي ظل فشل حزب العمال أيضا في
معالجة مشاكله مع المعادين للسامية، يخلق هذا الأمر انطباعا سلبيا بأن الحزبين
السياسيين الرئيسيين في بريطانيا يعملان على بناء رصيدهم السياسي من خلال مهاجمة
بعضهم البعض بشأن مسألة التعصب الديني أكثر من عملهم على حل معضلة الإسلاموفوبيا
في صفوفهم.
وأوردت الصحيفة أنه يتوجب
على قيادة حزب المحافظين الاعتراف بدورها في التشجيع على الإسلاموفوبيا. ففي سنة
2016، استندت حملة زاك غولد سميث للترشح لمنصب عمدة مدينة لندن إلى سلسلة من
الرسائل الضمنية التي تحيل إلى أن خصمه المسلم، صادق خان، كان على علاقة مع
المتطرفين الإسلاميين.
وأشارت الصحيفة إلى عدم
تسليط أي عقاب على غولد سميث على خلفية ما قام به، ناهيك عن موافقة قيادة حزب
المحافظين على النهج الذي اتبعه خلال حملته الانتخابية. من جهته، زعم ديفيد
كاميرون أن إماما مقربا من خان كان مؤيدا لتنظيم الدولة، إلا أنه اعتذر عن ذلك في
وقت لاحق. وارتأت تيريزا ماي أن خان غير مؤهل لتولي منصب العمدة في وقت تواجه فيها
بلادها خطرا إرهابيا كبيرا.
وأفادت الصحيفة بأن هذه
ليست المرة الأولى التي يظهر فيها حزب المحافظين استعداده للانخراط في عمليات
اختيار للمرشحين على أساس عرقي والتوجهات العنصرية لكسب الأصوات. ويمكن القول إن
سياسة الحكومة ذات الطبيعة العدائية، التي تلزم المواطنين العاديين مثل مالكي
العقارات بمراجعة أوراق الأفراد الحاملين لأسماء أجنبية، تعمق من ظاهرة التمييز
ضدهم.
وأضافت الصحيفة أن مثل
هذه الممارسات غير فعالة في الحد من الهجرة غير القانونية. وقد اتبع حزب المحافظين
هذه السياسة من أجل كسب ود الناخبين، الذين يخشى من احتمال أن يدعموا اليمين
المتطرف. وفي الوقت الذي تشهد فيه بريطانيا ارتفاع مستويات جرائم الكراهية ضد
الإسلام، باتت المقاربة غير الواضحة التي يتبعها المحافظون لمعالجة الإسلاموفوبيا
المتفشية بين صفوفهم أمرا غير مقبول على الإطلاق.
وفي الختام، أقرت الصحيفة
بأنه يتوجب على الحزب الإسراع في إطلاق تحقيق مستقل إزاء هوسه بالإسلاموفوبيا. في
الأثناء، يتعين على رئيسة الوزراء أيضا أن تتساءل عما إذا كان تأجيج نيران التحيز
والتمييز هو الثمن الذي يرغب المحافظون في دفعه لقاء تمتعهم بأصوات الناخبين.