لم يعد السؤال هل سيلغي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 12 أيار الاتفاق النووي مع إيران؟ بل أصبح: ما هي طبيعة ونوعية نص الاتفاق الذي سيتم الاتفاق على طرحه؟ الأهم ماذا عن «الملحق» الذي تمكنت إيران بموجبه التمدد من سوريا إلى اليمن من دون أن تلتفت إلى أحد، وماذا سيُطرح حوله، وتحديداً حول تحرك إيران في المنطقة؟
انضمام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى موقف الرئيس ترامب، ومسارعته إلى إبلاغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرورة إجراء محادثات حول «ضوابط نشاط إيران النووي بعد عام 2025 وبرنامجها للصواريخ الباليستية والوضع في سوريا واليمن»، حسم الموقف.
يبدو أن قبول كيم جونغ أون بالتخلي عن نشاطه النووي، كان جيداً لأميركا وللعالم، لكنه جاء سلبياً وسيّئاً لإيران. اقتنع ترامب وماكرون وباقي زعماء أوروبا، أن التشدد والضغوط مع جونغ أون أثمرت تنازله، وجنوحه نحو حل سياسي. هذه النتيجة شجّعت واشنطن والمجموعة الأوروبية للجنوح نحو التشدد مع إيران على جبهات عدة وليس بالنسبة للاتفاق النووي فقط.
أبرز ما في التوجه الجديد للجبهة الأميركية – الأوروبية «تكثيف الحوار مع موسكو حول سوريا». بوضوح دخلت سوريا ومستقبلها أخيراً في قلب اهتمامات العالم.
في الواقع تعب العالم من «تناسل الحروب» في سوريا، والأهم تحوّلها إلى مساحة مفتوحة لتشكّل كل أنواع الإرهاب.
في سوريا، لا يمكن لأميركا ومعها أوروبا - وهما لا تريدان أصلاً - الدخول في مواجهة مع روسيا. يمكن التفاهم مع موسكو. العرض موجود لها «ميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوية»، وحصة مهمة من خطط إعادة البناء. موسكو تستطيع التفاوض والتوصل إلى اتفاق.. إيران هي التي ستبقى في «قلب الإعصار» وربما على «خط النار».
مشكلة إيران أنها ربطت وجودها في سوريا بوجود الأسد. وما ذلك سوى لأنه أعطاها «شيكاً على بياض»، للانتشار العسكري والمذهبي. إيران نسيت أو تناسَت أنّ 80% من الشعب السوري سنّي، وأنّه حتى ولو هجّر عشرة ملايين فإن الباقين يحافظون على الأكثرية. هذا في الخط الديموغرافي والمذهبي. لكن المشكلة الأساسية بالنسبة لإيران، أنّها سارعت وتسرّعت كثيراً في العمل على إبراز انتصارها ووجودها في سوريا.
تناست إيران أنَّ «خطابها» بتحرير القدس وفلسطين قد نجح في لبنان لأنَّ أراضيه محتلة، وإنها وهي تدعم المقاومة في لبنان بقيت بعيدة عن خط النار. لكن في كل يوم خطَت فيه خطوة داخل سوريا، كانت تكشف نفسها أكثر فأكثر في مواجهة إسرائيل ومن ثمَّ الولايات المتحدة الأميركية، وحتى معظم الدول الأوروبية. وإنها في هذه العملية اضطرت إلى مواجهة أمر واقع جديد هو أنّ خطابها في دعم المقاومة لم يعد خطاباً إيديولوجياً مهما علَت كلفته فإنها لا تتجاوز الكلفة المادية. حالياً أصبحت إيران في مواجهة إسرائيل.
ما زاد من مسؤولية إيران في هذه المواجهة، أنها كشفت أخطار سلاحها الصاروخي عبر اليمن والسعودية. لم تستخدم السلاح الصاروخي في سوريا، تجنباً منها للاشتباك مع إسرائيل، لكنها ذهبت بعيداً في استخدامه عبر الحوثيين ضد السعودية. إسرائيل وصلت إلى قناعة أنّ المواجهة حتى الآن مع إيران في سوريا كانت كلفتها محدودة، بينما إن نجحت إيران في إطالة فترة المواجهة الحقيقية وتمكّنت من بناء قواعد ومصانع ومخازن للأسلحة، خصوصاً الصاروخية منها في سوريا، فإن الكلفة سترتفع جداً مع كل يوم إضافي من التأجيل.
كما يبدو أن بنيامين نتنياهو ومعه كل اليمين الإسرائيلي العنصري وجدوا في ترامب خير سند لهم في المواجهة مع إيران. صمت أميركا والعالم على مجازر غزّة كل يوم جمعة، شجّعها على المضيّ في التحدي والقول علناً: «لن نسمح بتأسيس جبهة إيرانية في سوريا».. والسؤال هل تواجه إيران قبل أن تمتلك قدرات كاملة؟ والجواب كما طرحته إسرائيل عبر كاتس مدير الموساد سابقاً: «الآن أفضل من حرب مستقبلية ندفع فيها ثمناً باهظاً».
السؤال الطبيعي والمباشر التالي: كيف ستردّ إيران على تدحرج «كرة النار» نحوها؟
بداية ستعمل على إعادة فتح مفاعلها النووي في «أراك» وغيره والعمل على تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل أو تزيد عن عشرين بالمئة. السؤال المكمّل هل سيمهد هذا القرار أرضية للتفاوض أم للمواجهة إلى القمة؟
من الصعب جداً الإجابة الحاسمة، لكن الإيرانيين ليسوا انتحاريين. يعرفون جيداً، خصوصاً النظام منهم، أن كل «العنتريات» التي أطلقها قادة «الحرس الثوري» في الفترة الأخيرة وخصوصاً الأدميرال فدوى، «غير قابلة للمضغ ولا للهضم».
لأن حجم التضخيم فيها غير مقبول. القصف الصاروخي على سوريا أول من أمس (يبدو أنه تم استخدام القنبلة التي تنزل عميقاً في عمق الأرض ثم تنفجر فتحدث زلزالاً محدوداً) يحقق قمة التحدي لقادة «الحرس الثوري» الذين يتبارون منذ فترة في تقديم قوة إيران وكأنها لا تُقهر. وكما لم يرد هؤلاء القادة على غارة مطار "تي فور" لن يردوا الآن خصوصاً أنهم نفوا سقوط أي مستشار إيراني في الغارة الأخيرة بعكس ما فعلوه في الغارة السابقة على T.4.
السؤال الطبيعي الآخر: هل سيلجأون إلى «صندوق البريد» اللبناني؟
إذا ما اشتعلت الجبهة اللبنانية، فإن السبب سيكون مكشوفاً وهو تنفيذ أوامر «الولي الفقيه» الذي يحمي إيران «بالعباءة اللبنانية». لن يصدّق أحد أن الحرب اشتعلت للتحرير.
ارتفاع ثمن مثل هذه الحرب لا يشجع على إطلاقها. التشدد سيكون لاحقاً في تشكيل الحكومة وإدارة البلاد، خصوصاً إذا ما فازت «كتلة الأسد» بعدد مهم من المقاعد.
مرحلة الانتظار وطرح الأسئلة بدأت تقصر.. كان لبنان دائماً في «عين الإعصار».. هذه المرّة جاء دور إيران!
لننتظر ونرَ..
المستقبل اللبنانية