للأسبوع الثاني على التوالي تواصلت فعاليات مسيرة العودة في قطاع غزة، ولم يتراجع زخمها رغم التهديد والوعيد الذي لم يتوقف للحظة على مدى أيام من قبل
قيادات الكيان السياسية والأمنية. كما لم تتأثر الفعاليات بالحملة الدعائية والحرب
النفسية التي شنها الاحتلال طوال الأسبوع الذي سبق جمعة "الكاوتشوك"، فجهود الكيان وحملته الإعلامية لم تتمكن من تبرئته من جرائمه، والأهم أنها ظهرت
سخيفة في مقولاتها.
الكيان
الإسرائيلي بذل جهودا استثنائية لم تقتصر على المجازر التي ارتكبت في جمعة يوم الأرض
بل حشد حلفاءه وعلى رأسهم الولايات المتحدة، واستعان بكافة القنوات المتوفرة لديه
في عملية توظيف مبتذلة لإعاقة الحراك الفلسطيني في قطاع غزة الذي هدد مشاريعه
واستراتيجيته المعلنة للتطبيع والهيمنة على المنطقة العربية.
لم
يتوقف الكيان عن بذل جهوده لعزل مسيرة العودة عن بيئتها الفلسطينية والعربية والإسلامية
بإطلاق رسائل تحذيرية اتخذت أشكالاً متعددة مستعينا بقنوات سياسية وأخرى أمنية،
كان آخرها ما نقلته وسائل الإعلام الصهيونية عن رسالة حملها رئيس الشاباك لمدير
المخابرات المصري عباس كامل يحذر فيها حركة حماس من الاقتراب من الحدود الفاصلة
بين القطاع وفلسطين المحتلة.
استمرار
المسيرة وتجاوزها للحواجز الأمنية وتعاظم زخمها وتطوير أدواتها كان الملاحظة الأبرز
التي تجاوز فيها القطاع الخطوط الحمراء المرسومة صهيونيا؛ ففي الجمعة الثانية
لمسيرة العودة الكبرى ورغم الجهود المستميتة والإجراءات المتبعة من قبل الكيان
سواء كانت ميدانية أم سياسية أم أمنية أم إعلامية تجاوز الفلسطينيون السواتر
الترابية والأسلاك الشائكة وقدموا مزيدا من التضحيات.
فالجمعة
الثانية كشفت عن حجم الاستعدادات والقوة الكامنة المتوافر في قطاع غزة لتطوير
الفعل الميداني والمترافقة مع تصريحات يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة
حماس في قطاع غزة عن مفاجآت مقبلة لتطوير الفعل الميداني؛ فالتحركات والتصريحات
تقدم مؤشرا مهما على أن التحضيرات لمسيرة العودة الكبرى في 15 أيار المقبل ستكون
كبيرة تغذيها خبرات متراكمة ونهج تم ترسيخه خلال الأسابيع الخمسة التي تسبق الحدث الأكبر
في يوم النكبة.
هواجس
الكيان الإسرائيلي تحولت إلى حقائق معززة باحتمالات خروج الأمور عن السيطرة
وانتقالها إلى الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 48؛ هواجس ومخاوف لا تقتصر على
البيئة المحلية للصراع بل البيئة الإقليمية والدولية؛ فاستمرار الحراك الفلسطيني
في القطاع وتطور أدواته يهدد بتشكيل كرة ثلج في العالم العربي والإسلامي من الممكن
أن تتعاظم لتتحول إلى ظاهرة بحد ذاتها من خلال تظاهرات ضخمة تعم العواصم العربية والإسلامية،
فضلا عن الشعوب الحرة، مهددة المقولات السياسية والأوهام التي عمد إلى ترويجها على
مدى الأشهر الماضية والتي يقف على رأسها مشروع صفقة القرن والمشاريع التطبيعية
المرافقة لها.
الضغوط
والجهود المبذولة من قبل الكيان الإسرائيلي لوقف مسيرة العودة لم تتوقف سواء على
المستوى الإعلامي أم السياسي أم الأمني؛ جهود لم تقتصر على سلطات الاحتلال إذ
انضمت الولايات المتحدة بدعوتها الفلسطينيين إلى عدم الاقتراب من الحاجز الحدودي
لأكثر من مسافة 500 م تماهيا مع مطالب سلطات الاحتلال الصهيوني؛ فالولايات المتحدة
وجدت نفسها محاصرة في زاوية ضيقة في ظل تعثر استراتيجيتها في سوريا والعراق وأفغانستان
وتصعيد كبير مع الصين وروسيا فتح الأبواب لفاعلين دوليين جدد في المنطقة.
المسيرة
رغم الجهود المرتبكة لإجهاضها إلا أنها لا زالت تشق طريقها على مختلف المستويات
المحلية والإقليمية والدولية؛ إذ أنها تعمق من أزمة الاحتلال وتشتته وتربك المشهد الإقليمي
الذي انشغل بالصفقات الإقليمية وعلى رأسها صفقة القرن، مفقدا أصحاب هذا المشروع
زمام المبادرة.
مسيرة
العودة باتت مدخلا سياسيا يرسم معالم المرحلة بكل تفاصيلها الأمنية والسياسية والإعلامية،
وإمكانية توسع دائرة النشاطات والفعاليات الميدانية تفتح الباب لمزيد من الضغوط
على الكيان الإسرائيلي خصوصا، إذ انضمت لها قوى مجتمعة وشعبية عربية وإسلامية؛
فاستمرار النشاط للأسبوع الثالث على التوالي سيعني أن الولايات المتحدة والكيان
ومن معهم من حلفاء باتو مطالبين بمراجعة أجندتهم السياسية وعلى رأسها نقل السفارة الأمريكية
إلى القدس امر سيرتد بشكل قوي على الإدارة الأمريكية وقيادة الكيان الإسرائيلي
مدخلا الطرفين في سباق محموم مع الزمن سيزداد سخونة وتشويقا في الأيام القليلة
المقبلة؛ فمسيرة العودة شقت طريقها لإحداث انعطافة جديدة مهدد بتحريك كرة الثلج في
العالم العربي والإسلامي من جديد مستعيدة بذلك زمام المبادرة ونازعة الميزة
التفضيلية للكيان في فرض إرادته السياسية.
وفي
ختام هذا المشهد المتشكل تبرز مسيرة العودة في صورة المشهد الإقليمي والدولي على
حين غفلة من القوى الدولية؛ إذ تقدم زخما كبيرا لفتح جبهات القانونية وإعلامية
وسياسية مع الكيان الصهيوني في كافة المحافل، مضيقة بذلك الخيارات السياسية للقوى
الدولية الفاقدة للقدرة على المبادرة بتأثير من الحراك الشعبي، دون إغفال إمكانية
تحولها إلى مدخل مهم وعنصر من عناصر المواجهة والمناورة في المؤسسات الدولية بين
القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على رأسها أمريكا والصين والولايات المتحدة الأمريكية
وتركيا وايران وبعض العرب؛ مسيرة العودة في نهاية المطاف تحولت إلى مدخل مهم
سيتفاعل بقوة خلال الأسابيع المقبلة يصعب تجاوزه لقوة تفاعلاته المحلية والإقليمية
والدولية.
السبيل الأردنية