في 15 يناير 2011، تم استفتاء في جنوب السودان حول ما إذا كان سكانه
يرغبون في البقاء في دولة واحدة مع السودان أم الانفصال بدولة مستقلة، وذلك تنفيذا
لبنود اتفاقية السلام الشامل، التي وقعت في نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة
الشعبية لتحرير السودان في 9 يناير 2005.. وكانت النتائج لصالح الانفصال في عملية
مسرحية وجدت إشرافا بشهادات الزور الغربية، في واحدة من أسوأ ما يمكن أن تواجهه
الدول في التعامل مع أجزائها.
ومنذ
عام 2003 والتحالف بين القوى الموطئة للأمريكان في الاحتلال توافق على تقسيم
العراق بما يمنح الساسة الأكراد الانفصاليين فرصة تكريس واقع الانفصال شيئا فشيئا،
فتكونت مليشيات مسلحة واقتطع الإقليم من موازنة الدولة ما يقارب 17 بالمئة، وأصبح
يتحرك في غير مجال الدولة- الحكومة المركزية بعد أن تواطأت القوى المتنفذة في
بغداد بتكريس الانفصال.
لا
يمكن فصل العمليتين عن سياقات سياسية إقليمية ودولية، كما أنه ينبغي دراسة مآلات
العمليتين لكي يكون درسا لكل نزعات الانفصال في الأمة.. ففي الحالتين، كان الموساد
الصهيوني هو من يشرف على التعبئة والتدريب والتجنيد حتى كانت المليشيا الكردية،
كما هو جيش جنوب السودان، تتلقى التدريب والتسليح من قبل جهاز متخصص من الاستخبارات
الصهيونية، كما تم الكشف عنه أخيرا في مذكرات الضباط الصهاينة المسؤولين عن تلك
العمليات.
واضح
تماما أن هناك مخططا غربيا منذ زمن بعيد، القصد منه تفتيت الدولة العربية الوطنية،
وهنا دخلت الأجهزة الأمنية الصهيونية لجعل هذا التقسيم لصالحها بأن ربطت علاقات
وثيقة بقوى الانفصال في منطقتنا العربية.
المهم
هنا ملاحظة مآلات الانفصال؛ فرغم أن المخطط مازال يتحرك في سورية والعراق وإيران
وتركيا لإحداث الانفصال الكردي وتكريسه بالقوة، إلا أن الفشل الذريع الذي منيت به
حالة الانفصال في كردستان العراق جعل من المشكوك فيه نجاح المحاولة في الإقليم،
فلقد توفرت عدة عوامل جعلت من نجاحه أمرا صعب المنال.. فإيران التي تعاني من
الأزمة، مثلها مثل العراق وتركيا، لا يمكن أن تقبل بأن يكون هناك دولة كردية
مركزية تجمع إليها أكراد المنطقة، فكان أن تحالف الإقليم كله لإسقاط مشروع
الانفصال الذي وجد نفسه مقطوع الأوصال.
وفي
السودان، وبعد سنوات عدة من إعلان الانفصال الذي عززته المخابرات الصهيونية ورعته
الإدارات الغربية بالمال والسياسة ومحاصرة السودان وفرض العقوبات عليه.. بعد سنوات
من الإعلان عن دولة جنوب السودان، اكتشف الجنوبيون أنهم كانوا يجرون خلف سراب وأن
العملية لم تكن صحيحة وأنها خدعة ومؤامرة على أمنهم واستقراره ومعيشتهم بعد أن تحولت
أرض الجنوب إلى صراعات دامية بين قبائل الجنوب، ورغم ثروة النفط لايزال السودان هو
الموئل للجنوبيين الفارين بجلودهم إلى الخرطوم ملايينَ بحثا عن الرزق والأمان..
والنداءات تتصاعد في الجنوب بالعودة إلى السودان، بعد أن اكتشف الجميع فشل التجربة
وسيرها في المجهول.
كل
حالات الانفصال في الأمة لا تخدم إلا العدو الخارجي، الذي يبذر بذور الفتن لتفجير
مجتمعاتنا، وغرس الأسافين بين مكوناتنا، لتنتهي العملية التخريبية بمزيد من هدر
الطاقات، وضياع الأمن والاستقرار.
الشروق الجزائرية