صدر عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي "خلاصة التقرير الاستراتيجي السنوي لإسرائيل 2017-2018". وترجمه إلى العربية "مركز اللغات والترجمة" لحركة الجهاد الإسلامي بالتعاون مع مركز "أطلس للدراسات الاستراتيجية".
يعتبر "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" الذي يترأسه، منذ 2011، عاموس يادلين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، مركزا قريبا من متخذ القرار العسكري/ السياسي في الكيان الصهيوني. ومع ذلك لا يعتبر تقريره معبراً تماماً عن التوجهات الاستراتيجية الرسمية لحكومة الكيان الصهيوني وقيادة الجيش. ولكن يستحق أن يُقرأ باهتمام ضمن الحدود أعلاه.
إن أول ما يلفت الانتباه عند قراءة التقرير بأنه متعامٍ أو متحفظ، أو قاصر، عن إدراك ما يعانيه الكيان الصهيوني، حكومة وجيشاً ومجتمعاً، من ضعف في ميزان القوى وهذه نقيصة، إن لم تكن مقصودة ومتعمدة، تجعل حساباته لتوازن القوى واحتمالات ما يتوقع من تطورات لا سيما لاحتمالات الحرب، أو للحرب، في عام 2018، محط خلل شديد. وذلك حين يكون تقديره بأن "دولة الكيان الصهيوني" على أبواب السنة السبعين لإعلان "استقلال إسرائيل" في ميزان الأمن القومي الخاص بها "هو ميزان إيجابي ومتين جداً". ويعتبر الظواهر المستجدة التي نشأت "في بيئتها المحيطة تنطوي على تحديات وعدة فرص هامة في آن معاً".
هذه النقيصة إذا كانت قناعة حقيقية وتقدير موقف متأكدا منه. فهو أمر جيد لمن يريدون للكيان الصهيوني الفشل والخراب والتدهور. لأن الذهاب إلى حرب فاشلة بسبب سوء تقدير موازين القوى أمر جيد جدا. وهذا ما حدث عندما خاض الكيان حرب 2006 في لبنان وهزم فيه، وكذلك ما حدث له في حروب 2008/2009 و2012 و2014 في قطاع غزة.
والسؤال الآن، كيف أقام التقرير اعتباره أن الكيان الصهيوني في ميزان الأمن القومي الخاص به "هو ميزان إيجابي ومتين جدا"؟
أولاً، يشير إلى أن تفوّقه العسكري في الشرق الأوسط وقدرته الردعية في وجه أعدائه ومن بينهم تنظيمات غير حكومية حزب الله وحماس. أما الدليل فأحد عشر عاماً من الهدوء على حدود الشمال. وثلاث أعوام هدوء في الجنوب. وقد "نجح الردع الإسرائيلي في امتحان الرد على نقل السلاح إلى حزب الله وضد الأنفاق على الجبهة الجنوبية".
بالنسبة إلى موضوع الهدوء، فلا يحق لمحلل عسكري أن يشير إليه، إن كان الطرف الآخر قد ذهب بعيداً، كل يوم من أيام الهدوء، في التسلح وحفر الأنفاق والإعداد للحرب، مثلما يحدث في لبنان وقطاع غزة. ففي هذه الحالة، لا يمكن الحديث عن حالة الهدوء، بمعنى وقف إطلاق النار تحت الردع، أو هدوءاً إذا كان يزيد ويطوّر قدراته العسكرية أضعافاً. لأن هذا الأخير هو حرب وأخطر من الحرب الحامية.
أما نجاح الردع في امتحان نقل السلاح إلى حزب الله وضد الأنفاق على الجبهة الجنوبية فتناقِضَه عشرات التقارير العسكرية الصهيونية التي تتحدث عما أصبح بحوزة حزب الله من سلاح، أو ما أُنجز وينجَز من أنفاق في قطاع غزة. فأين "النجاح المطمئن" هنا؟
النقطة الوحيدة التي يمكن عدم الرد عليها هي اعتبار التقرير "الاقتصاد الإسرائيلي قوي ومستقر". فهذه من أضعف المعايير عند احتساب موازين القوى، أو عند التهيئة للحرب. وذلك من دون أن يُشار إلى أسباب الدعم الخارجي المجاني أو شبه المجاني.
وثمة نقطة أخرى يضيفها: "نجاح في تطوير سياسات إسرائيل مع الدول العظمى". فهذه النقطة غير دقيقة بالنسبة إلى مواقف أغلب الدول العظمى من سياسات الكيان الخاصة في الموضوع الفلسطيني، وإن كانت حسنة عموماً من حيث العلاقات الديبلوماسية أو الاقتصادية وهو ما يفصله التقرير لاحقاً، ولا يسمح بالوصول، إلى مثل هذا الحكم القطعي في الحديث عن "النجاح".
والسؤال كيف يمكن لتقرير يمهد لوضع استراتيجية، أو يحاول وضع توصيات للاستراتيجية. ولا يَلحظ:
أولاً: إن الجيش الصهيوني هُزم في أربع حروب في لبنان وقطاع غزة. وهنالك تقارير كثيرة وضعتها لجان صهيونية رسمية. وتناولها منظرون عسكريون غربيون تناولت ما يعانيه الجيش من نقاط ضعف، وبعضها يبدو أن لا علاج له بالسرعة المطلوبة، إن كان له من علاج.
ثانياً: صحيح أن التقرير يطالب بعلاج ما راح ينشأ من تناقضات وتصدعات داخل المجتمع في الكيان الصهيوني، كما بين سياسات الكيان الصهيوني ويهود الولايات المتحدة الأمريكية. هذا من دون تطرق البيان إلى جوانب ضعف عام على مستوى القيادات، كما على مستوى المعنويات والمسلكيات المجتمعية، عموماً، وانعكاسها على الضابط والجندي.
ثالثاً: عند الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية يلاحظ التقرير، وهو يبرز صداقتها، في ظل إدارة ترامب، وتعاطفها وتقاسمها مع حكومة الكيان الصهيوني رؤية مشتركة، يلاحِظ "بأن نفوذ أمريكا يواصل تآكله، ومكانتها الدولية آخذة بالضعف".
وهنا تكمن مشكلة عدم أخذه بالاعتبار أن تآكل نفوذ أمريكا وضعفها يعنيان إضعافاً للكيان الصهيوني في ميزان القوى.
أما من جهة أخرى، فالتقرير يتجاهل، تماماً، ما انطلق من إرهاصات انتفاضة شاملة ومقاومة شبابية عفوية منذ الأول من تشرين أول 2015، ويركن تماماً إلى العلاقة بالسلطة الفلسطينية، وما يمكن أن يحدث من تطورات لهذه العلاقة مع الخطوات المحرجة، أو الصفعات، التي يتخذها وسيتخذها كل من ترامب ونتنياهو. مما يولّد ظروفاً لا تسمح بأن يركن إليها التقرير بالنسبة إلى معالجته للوضع الفلسطيني.
وأخيراً وليس آخراً يعتبر التقرير أن التحدي الأكبر والأخطر الذي يواجهه الكيان الصهيوني آت من إيران ووجودها في سورية، كما من حزب الله، ولا سيما، بعد التطورات العسكرية، الأخيرة في سورية التي أنهت داعش، وحسمت الصراع إلى حد بعيد في مصلحة سورية النظام وروسيا وإيران وحزب الله. وهو أمر يفرض على الكيان الصهيوني أن يستعد للحرب خلال العام 2018.
وقد وضع ثلاثة سيناريوهات للحرب التي قد تندلع بالرغم من أن "لا إسرائيل ولا حزب الله معنيان بحرب أخرى بينهما". ولكن يمكن أن يتدهور الوضع مع "ضرب إسرائيل لمنع تنامي قوة حزب الله وإيران"، كما مع "تفرغ حزب الله بعد سورية". فحرب الشمال قد لا تقتصر على لبنان لتمتد إلى سورية وإيران وحماس في الجنوب. ولخص السيناريوهات الثلاثة كما يلي:4
•حرب في لبنان فقط. وهذه لن تكون كحرب 2006 إذ ستكون ضد كل لبنان وعليها أن تواجه: أ- صواريخ بالستية، بـ - دفاع جوي، جـ - طائرات مسيرة، د- صواريخ أرض-بحر، هـ - وحدات لاحتلال مستعمرات.
•حرب لبنان وسورية. ويشير هنا إلى إعانة المعارضة السورية ضد النظام. ولكن لا يعالج مشكلة الوجود الروسي وما يمكن أن يمارسه من حظر جوي. فهو لا يعالج كيف يمكن أن تمتد الحرب إلى سورية دون التفاهم أو التصادم مع روسيا.
•حرب تشمل أيضاً قوات إيرانية في سورية. ولكنه هنا أيضاً لا يشير إلى أي تفاصيل ميدانية.
وينتهي إلى المطالبة بضرورة مناقشة أهداف الحرب، وغاية أية معركة محتملة لجهة عناصر بدايتها (الحرب) وإدارتها، ونهايتها وحدودها وجهودها. الأمر الذي يسمح بالاستنتاج أن الكيان الصهيوني متأخر خطوة أو أكثر في كل ما يتعلق بتوقعات حرب قادمة. وهو يُغلب احتماليتها بأن تكون نتيجة تداعي أحداث غير مسيطر عليها. أي ليست حرباً يعد لها عن سابق إصرار وتصميم وتخطيط. وذلك كما كان الحال في الأيام الخوالي عندما كان الجيش الصهيوني يمتلك زمام المبادرة، والتحكم ببدايتها ومسارها ونهايتها.
وخلاصة، من يدقق في التقرير ومستواه يتأكد بأن الكيان الصهيوني دخل مرحلة التراجع والتردد والتخبط وفقدان زمام المبادرة.