في أثناء الإعداد لبث المناظرة التلفزيونية
التي ستجمع رئيس الجمهورية متولي الحناوي بالمرشح سعيد ظاظا، يلتقي الاثنان بغرفة
استراحة.
رشا: الرئيس قاعد هناك.. اعمل نفسك مش شايفه.
ظاظا: ده هو.. ايوه هو. سيادة الريس، سيادة
الريس (وهو يجري نحوه سعيدا) أنا مش مصدق أني قابلت حضرتك. ده فرصة عظيمة والله.
ده سيادة الريس بنفسه.. أنا مش حضيع الفرصة دية.. انا لي طلب صغير عند حضرتك.
الرئيس: ليك طلب عندي أنا؟
ظاظا: أيوه يا افندم.. كارت من عند حضرتك بس
أوريه لرئيس المباحث. أصله بصراحة حاططني في دماغه .
حاجب الرئيس: بعد الانتخابات.. ابقى تعالى نعمل
لك ايلي انت عاوزه... اتفضل يا ريس.. (يدعوه لدخول استوديو المناظرة التلفزيونية) ظاظا : اتفضل يا زعيم.. بالروح بالدم نفديك يا ريس. ربنا يخليك لينا يا
رب..
يبدو هذا المشهد من فيلم (ظاظا- 2006) للمخرج
علي عبد الخالق فنتازيا كوميدية غير قابلة للتصديق. في العام 2018، تحولت
الفانتازيا إلى كوميديا واقعية سوداء بطلاها قائد الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي
ومرشح كومبارس باسم موسى مصطفى موسى، لم يسمع له ذكر لدى الجمهور حتى نفضت عليه
الأجهزة السياسية الغبار وقدمته مرشحا "منافسا" للسيسي، وهو الذي تغني
قبلها بأسابيع ب"إنجازات" الأخير مؤيدا وداعيا لإعادة انتخابه رئيسا.
الأكيد أن موسى مصطفى لم يصدق أن الاختيار وقع عليه، بعد أن نأى الجميع بنفسه عن
المسرحية التي يُعَد لها في أرض الكنانة، فأسرع مهرولا إلى لجنة الانتخابات مخافة
أن تفلت منه فرصة اقتران اسمه باسم مغتصب الحكم بمصر، على أمل أن يمنحه دور
الكومبارس حظوة لديه بعد أن ينفض الجمع وينتهي الأمر كما هو مرسوم له استفتاء في
هيئة انتخابات.
في بلد يفوق تعداد سكانه المائة مليون، لم تفلح
الأجهزة المخابراتية والأمنية والأذرع الإعلامية في ستر عورة النظام الانقلابي
التي بدت مفضوحة للداخل والخارج بعد أن وجد نفسه وحيدا في مواجهة الفراغ برغم
توافر منسوب هائل من المطبلين والمداحين القابلين بدور "المحلل
الديمقراطي" لعملية انتخابية لا تستقيم إلا بوجود منافسين. والمنافسة هي ما
يخشاها الانقلابي لعلمه اليقين أن الشعب لفظه ومعه جهات كانت إلى عهد قريب تابعة
تأتمر بأمره وتنتهي بنهياه. التهم جاهزة ومعلبة لا تفرق بين عسكري أو مدني،
والنهاية إما اختطاف وإخفاء أو محاكمة عسكرية أو عراقيل تحول دون استيفاء الشروط.
عودة إلى فيلم ظاظا..
المذيعة: مساء الخير مشاهدينا في كل مكان..
حلقة اليوم حول موضوع الساعة: الانتخابات الرئاسية التي تشغل بال الجميع. ويسعدنا
أن نستضيف السيد جابر منصور، وزير الداخلية ليجيب على أسئلة المشاهدين.. معالي
الوزير، الناس كلها بتسأل وبصراحة أكثر بتتهم الحكومة بأنها ورا وفاة الشخصين ايلي
قدموا أوراق ترشيحهم للرئاسة.
وزير الداخلية: ست الكل.. دي أعمار والأعمار
بيد الله ومفيش مخلوق في الدنيا ممكن يعترض على قضاء الله، ومع ذلك أنا ح أقول لكم
الحقيقة كاملة زي ما اتعودنا. الشخص الأولاني مات في حادثة عربية ودي حاجة بتحصل
كل يوم. أما الشخص الثاني بقا وهو بيبص من البلكونة في الدور العاشر داخ ووقع.
سيادتك بقا اديني عقلك، واحد مش عارف يبص من البلكونة ح يحكم بلد بحالها ازاي
بالذمة؟ علشان كده لازم كل مواطن يتأكد تماما أنه بيدي صوته للشخص المناسب لهذا
المنصب الرفيع الجلل.
اتصال: مساء الخير.. والله كنت عايزة أسأل
سيادة الوزير: كم واحد اتقدم للانتخابات؟
وزير الداخلية: للأسف مفيش حد وعلشان كده أنا
هنا وبأعلن أمام الجميع وبمنتهى الشفافية اننا قررنا عمل بوليصة تأمين بخمسة مليون
على حياة أي شخص يتقدم للانتخابات.
في الواقع، لا ضمانات لدى سلطة الانقلاب بمصر.
وكل مرشح محتمل على غير هوى السلطة معرض للقوة الغاشمة للنظام. والقتل ليس
بالضرورة حوادث سيارات أو رميا من شرفات المنازل بل تعريضا بالشرف وتهديدا
بالتشويه وأحكاما بالسجن. والنتيجة، تكريس للفراغ ومواجهة مباشرة مع شعب يعتقده
الانقلابي مستسلما لتهديداته وغير قادر على ابتداع أشكال جديدة في المقاومة
والاحتجاج. والأخطر من ذلك تحويل "منظومة الحكم" لمجرد عصابة لا تتورع
عن تكرار وعيدها لكل من سولت له نفسه الاقتراب من الكرسي، ولو اضطرها الأمر للزج
المباشر بالجيش في أتون صراع مع "أشرار" صارت دائرتهم تتسع لتشمل شرائح
جديدة من داخل "النظام" نفسه، وهو ما يفتح المستقبل على مجهول دفع البعض
للحديث عن مرحلة مصيرية تمس بقاء الدولة المصرية واستمراريتها.
المستمع لخطاب قائد الانقلاب، وهو يفتتح مشروعا
للغاز يوم الأربعاء، يدرك المدى الذي وصله نظام عبد الفتاح السيسي من انحسار
وتقوقع على الذات في مواجهة "الجميع". نظرات معاونيه وحوارييه التائهة
طوال الخطاب و"مجاهدة" أذرعه الإعلامية في سبيل تخفيف وقع الكلمات
والتغطية على ما فضحته الكاميرا من توتر غير مسبوق في أداء الانقلابي نذر غموض يكتنف
مشهدا لا يزداد إلا تعقيدا. الصوت العالي والتهديد والوعيد لم يكن يوما دليل قوة
بل انكسار وخوف. لكن جنون العظمة تعمي صاحبها من رؤية الحقائق على الأرض، فتراه
ممعنا في السير على خطى من سبقوه بالتهديد بالطوفان أوالفوضى بديلا، وهو ما لم
يفلح فيه السابقون ولن يفلح فيه كل معتد أثيم.
بعد قتله لسالم أبو عوضين في (شيء من الخوف –
1969) للمخرج حسين كمال، يقهقه عتريس-الجد داخل قصره تفاخرا أمام أعوانه.
عتريس: عتريس محدش يستجري يشهد عليه.
عصفوري: مخلصناش ليه على أخوه شعلان بالمرة.
كان بقوا ميتمين في ليلة واحدة.
معاون 2: جنازة واحدة بخشبتين؟ ده كان أكبر
واحد فيهم سجد.
اسماعيل: السجود مش كفاية. دول لازم ينداسوا
بالجزم وتتغرس رؤوسهم في الطين.
عتريس: اسماعيل عصفوري يا نِوِر يا ايلي بعت
حصير الجامع علشان تتسلطن وتعمل لي سبع، لما سالم يموت نلاقي أخوه شعلان يدفع
الأتاوة. لكن لما شعلان ينقتل الأتاوة يدفعها مين؟
معاون 2: متزعلش نفسك يا سي عتريس. اسماعيل
برضك دراعك اليمين.
عتريس: متقولش دراعي اليمين. أنا لولاي
الدهاشنة كانت تذلكم .. دراعي اليمين قال.
وإلى صوان العزاء يدخل عتريس.
عتريس: البقية في حياتك يا شعلان.. البلد كلها
تعلم أن قلبي معاك والله.. ما بتردش ليه يا شعلان؟
شعلان: .... تقتلوا القتيل وتمشوا في جنازته.
عتريس: وجنازة أخوه وحياة غلاوتك. وفر حديثك يا
شعلان. السكوت في الحالات دي أسلم.
ينظر شعلان إلى الجالسين في الصوان.
عتريس: بتدور فيهم عن مين؟ أده الدهاشنة واده
انت واده عتريس. بتدور على مين؟
شعلان: كفر ميت، كفر أرانب..
عتريس: كفر عاقل وحكيم. شيء من الخوف ميأذيش..
أوشن طارق