نحن أمام روايتين بشأن واقعة "الاعتداء" على المستشار هشام جنينة، الأولى أسرته وأصدقاؤه، التي تقول إنه تعرض لمحاولة اغتيال.. والثانية صحفيو الحوادث بالجرائد، الذين يعتمدون على رواية "مصدر شبحي" بالداخلية يزعم أنه تعرض لحادث مروري.
وكالة الأنباء الألمانية أكدت من مصادرها المستقلة رواية عائلة جنينة.. فيما تظل رواية صحفيي الحوادث الأقل مصداقية.
كلنا ـ كصحفيين محترفين ـ نعرف علاقة أقسام الحوادث في الصحف بالمكتب الإعلامي لوزارة الداخلية.. وبعد اعتداء الأخيرة على نقابة الصحفيين، ومع وجود نظام سياسي، هو الأقل خبرة بكثير على مستوى الوعي المدني، لم تعد علاقة الصحافة بالشرطة مفيدة في تلقي المعلومات، بل أحيل صحفيو الحوادث بالإكراه ـ وليس عن رضا منهم ـ ليكونوا جزءًا من إدارة الإعلام التعبوي، ومن يستعصي على الدخول في الطابور وأداء التحية، فلن يكون له حظ من الرضا الأمني وحرمانه من دخول مبني الوزارة.. ناهيك عن "مرمطته" داخل مؤسسته الصحفية، واعتباره فاشلاً أو عبئًا عليها، لأنه "مش عارف يسلك أموره مع الداخلية"!
الاعتداء على جنينة، يضيء هذه المساحة المظلمة، فالكل نقل عن "مصدر أمني ـ شبح" بأنه حادث مروري.. ولم يكلف نفسه الانتقال إلى موقع الحدث، ونقل المشهد كما هو وليس كما يريده حضرة "الباشا" الذي هو بدوره ترتعد فرائصه من قائده أو وزيره، حال أدلى بتصاريح للصحفيين أو الإعلاميين بدون الحصول على الإذن السامي.
المدهش أن حادث الاعتداء على جنينة هو أخطر الحوادث التي وقعت خلال الأسبوعين الأخيرين.. فالاعتداء جاء بعد أيام قليلة من اعتقال عنان وخضوعه للتحقيق "السري" بعيدًا عن عيون الرقابة الصحفية والإعلامية (قرار حظر النشر).. والذي عينه عنان نائبًا له، وأسند إليه مهمة ملفي حقوق الإنسان والعدالة ومكافحة الفساد.. ما يجعل بالتبعية الاعتداء عليه "جريمة سياسية"، أو هكذا ستفسر، فسترتبط تلقائيًا بموقفه من عنان والسيسي ومن النظام الذي أقاله ونكل به وبعائلته (فصل ابنته من النيابة الإدارية).
جنينة ـ إذن ـ ليس شخصية عادية، لا في منصبه الذي أقيل منه، لا في مكانته من عنان المرشح الذي قلل ـ حال بقي في السباق ـ من فرص فوز السيسي، بل كانت حملته تؤكد أنه هو الرئيس المقبل.. ولا في تاريخ صدامه مع الفساد المستشري في مؤسسات الوجاهة الاجتماعية.. وبالتالي فإن تواتر التقارير التي تؤكد الاعتداء عليه بطريقة وحشية، وبشكل يستهدف تصفيته أو قتله.. لا يمكن بحال أن يمر هكذا بدون بيان رسمي من وزارة الداخلية!!
سكوت الداخلية لا يعني أنها "قلقة" من شيء ما.. وحسب، بل ستضيف مزيدا من المصداقية للرواية المتداولة بعيدا عنها.. التي تؤكد أن جنينة تعرض للتصفية، وما سيترتب على ذلك من انطباعات بشأن وجود دولة تحتكم إلى القانون وليس للبلطجة لتصفية الخلافات السياسية.
المصريون المصرية