هل انتبه أحدنا إلى ردة فعل طفله إذا ما حاول سحب جهاز الهاتف منه ومدى الغضب الذي ينتابه، ألا تشبه ردة الفعل هذه بعض أعراض الانسحاب عند مدمني المخدرات، وما الذي يدفعنا لتفقد هواتفنا بصورة تلقائية وكأن دافعا خفيا يتحكم بنا، وهل خبر أحدنا مدى صعوبة الابتعاد عن أحد تطبيقات برامج التواصل الاجتماعي، فيما يذكّرنا بمحاولات الإقلاع عن إدمان التدخين.
إذا هو إدمان من نوع آخر، نمارسه على أعين الناس، نراه في كل مكان في بيوتنا ومدارسنا ومشافينا ولم تسلم منه دور العبادة ولا حتى المقابر، إنه إدمان على الإنترنت والهواتف التي تُنْعت بالذكية.
وإن كنت لم آتِ بجديد هنا، لكن الدراسة القادمة من جامعة سول في كوريا، التي تم عرضها الأسبوع الماضي على هامش الاجتماع السنوي لأطباء الأشعة الأمريكيين "RSNA" بينت لأول مرة الأساس العصبي والكيميائي لهذا الإدمان، من خلال دراسة صور الرنين المغناطيسي لأدمغة المراهقين المصابين بالإدمان على الهواتف الذكية.
فقد خلصت هذه الدراسة المهمة إلى أن تركيز بعض المركبات الكيميائية المهمة والمسؤولة عن توصيل السيال العصبي وعن حث الخلايا العصبية، قد تم تأثرها إما زيادة أو نقصانا لدن الأفراد المدمنين، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة لأعراض ذهنية وسلوكية وعصبية كثيرة، من أهمها الاكتئاب والأرق والتوتر، وعدم الاتزان والعزلة الاجتماعية.
لكن الجانب الإيجابي في نتائج هذه الدراسة، أن هذه الاضطرابات الكيميائية لم تلبث أن عادت إلى قيمها الطبيعية بعد إخضاع أفراد العينة لجلسات من العلاج السلوكي والنفسي.
هذه المشكلة السلوكية والذهنية تحتاج إلى وقفة جادة من الأهل والمختصين، خاصة في وقت أصبح فيه تعرض الأطفال لهذه الأجهزة في وقت مبكر، حيث تشير الدراسات إلى أن معدل العمر الذي يمتلك فيه الطفل هاتفه الأول، قد انخفض ليصل الى عشر سنين، وهو السن الذي يكون فيه الدماغ أكثر عرضة للتأثر بالعوامل الخارجية، وقد تكون هذه الآثار مدمرة ما لم نتدخل مبكرا.
ولهذا بادرت العديد من الدول إلى افتتاح عيادات متخصصة بعلاج الإدمان على التكنولوجيا، وهو ما يشكل اعترافا ضمنيا بمدى استفحال هذه الظاهرة والآثار المدمرة التي تسببها لدى الأجيال الناشئة.
الغد الأردنية