صدر البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب الأحد الماضي حاملا -للأسف- بصمات إماراتية - سعودية لا تكاد تخطؤها العين، وخلاصة ما يمكن وصفه به أن من تولى "فرض" صيغته الختامية لا يزالون في مرحلة المراهقة بمغامراتها غير المحسوبة، ولا تبدو أن هناك خطة عمل واضحة لتلك التحركات التي تزيد من اشتعال المنطقة، والأسف الأشد أن دولة كبرى كمصر باتت تابعة "للتوابع الأمريكيين" في الخليج وقد كانت من قبل ربما تتمرد في لحظات نادرة على المطالب الأمريكية، وهناك أسف آخر على أحوال الحواضر الكبرى الأخرى "بغداد ودمشق" اللتين صارتا تحت المظلة الإيرانية، وأسف أخير على أحوال باقي الدول التي ضعفت أمام النفوذ الإماراتي - السعودي كالجزائر والأردن وليبيا وتونس والمغرب، فأصبحت المنطقة بيد من لا يملكون من المواهب الذاتية أو الطبيعية سوى المال، ولا يملكون من الوعي السياسي سوى التبعية بأذل صورها.
صدر البيان وهو يتحدث
عن حزب الله "الحركة الإرهابية"، وصدرت تصريحات من الأمين العام لجامعة
الدول العربية وهو يقول "لا حرب قادمة مع إيران في الوقت الراهن"، والحق
أن "أغلب" المهتمين بشؤون المنطقة والمدافعين عن مصالح شعوبها في الحرية
والكرامة يرون أن حزب الله قام بتدنيس تاريخه النضالي ضد العدو الصهيوني وغرق في
مستنقع الطائفية والدم، وهما أشد ما يلحق بأحد من دنس، ويرون إيران قائمة بدور
أساسي في تأجيج الطائفية وإشعال المنطقة.
من يهتمون بمستقبل
المنطقة يرون إيران وحزب الله بتلك الصورة دون تجميل، لكنهم في المقابل يرون الدول
التي تعاند حركة الشعوب أشد انحطاطا وغرقا في مستنقعات الدم والطائفية والاستبداد
والتبعية وما يمكن وصفه من كبائر المدنِّسات التي تلحق بالأفراد أو الحكومات،
ويعلمون أن حزب الله حركة تحولت من النضال للطائفية، لكنها ليست في خانة الإرهاب
بالمفهوم (الإماراتي - السعودي - المصري)، وتوصيف الإرهاب أشد انطباقا عليهم
بممارساتهم الداخلية أو الخارجية كعدوانهم في اليمن وليبيا، وغيرهما بأدوار سرية
لا تبدو للرأي العام، ويرون أيضا أن إيران دولة مجرمة في حق بعض شعوب المنطقة خاصة
سوريا والعراق، لكنهم يرون أن تحجيم الدور الإيراني ممكن بغير الحرب والتصريحات
العدائية، ويرون إيران دولة يمكن تحويلها من خانة العداء لخانة التكامل مع محيطها
الثقافي.
ويرى أغلب هؤلاء
المهتمين بشؤون المنطقة ومستقبلها أن الدور الخليجي في المنطقة شديد السلبية، وأن
التبعية المصرية للمحور الإماراتي - السعودي مرعبة على المستوى السياسي للمنطقة
كلها، ويرون أن سلبيات حزب الله وإيران لا تختلف عن سلبيات الدول الثلاث، بل ربما
تتفوق تلك الدول في فحشها السياسي والعملياتي مع الخصوم، كما يجري في الأزمة
القطرية، أو تعاملهم مع الخلافات الداخلية في تلك البلدان.
الملفت للانتباه أن
اللغة العدائية إما تصدر مع المعارضين الداخليين أو إحدى دول المنطقة الأخرى،
لكنها لا تصدر بأي درجة من درجات العدائية ضد الكيان العنصري الذي يحتل الأرض في
فلسطين والجولان السوري وأم الرشراش المصرية، وهذا ما أغفله البيان الذي اهتم
بالجزر المتنازَع عليها بين الإمارات وإيران، وترك الحديث عن أراض لا خلاف حول
ملكيتها لفلسطين و سوريا ومصر، وترك العدوان الإسرائيلي على أهلنا في فلسطين، بل
استهلوا بيان العار والاستعار بالحديث عن مبادرة السلام العربية، لمحتل غاصب غاشم
يسير سيرا حثيثا في بناء المستوطنات واغتصاب الأرض وتمزيق روابط شعبنا في فلسطين
جغرافيا واجتماعيا، دون اعتبار لمبادرة سلام عربية أو غير عربية، ولا يقدّم في
المقابل أي بادرة لجنوحه نحو هدنة، كل ذلك تركوه، وتركوا معه التهديد الحقيقي من
دولة الكيان الصهيوني للأمن العربي في كل بقعة جغرافية منه وإدارية أيضا.
منذ انطلاق شرارة
تطلّع شعوب المنطقة للحرية أصبحت المنطقة على بقعة زيت تحفّها مناطق اشتعال، وغير
معلوم إن كانت المادتان ستلتقيان أم لا لتأكل النار ما بقي من المنطقة، ورغم هذه
الظروف وتحوّل المنطقة لمسرح للقوى الدولية ولعملية اقتسام النفوذ ولتصفية
الحسابات بينهم، قام المحور الإماراتي - السعودي بدعم انقلاب عسكري في مصر، وإشعال
الوضع الليبي بمساهمة مصرية، والدخول في حرب مفتوحة في اليمن، وتفجير الوضع
الخليجي، والتحرش الخشن بإيران، ودعم انقلاب في تركيا، كل ذلك في ثلاث سنوات فقط،
في إشارة واضحة لحجم الرعونة في التقدير السياسي، ويبدو أن هناك من أوحى لشاب
المملكة بأن الأمجاد تأتي بالحروب، ولكنه لم يُفلح في مجد الحرب فسعى للمجد
بالاستبداد والقضاء على معارضيه في المجتمع السعودي وأسرته الحاكمة، ليزيد من بؤر
التوتر داخليا وفي المنطقة بالتلازم.
كان الأوْلى بمن
أرادوا تولي دفة المنطقة أن يعملوا على تخفيف بؤر الاشتعال، وحينها سيحوزون ما
كانوا يرغبون فيه كاملا برضا وقبول من المجتمعات، لكن أهل المذلّة والوقوف على
أبواب الطلب لنيل العطيّة لا يضعون مجتمعاتهم موضع الاهتمام، بل يكتفون بتحيّن
إشارة الرضا من رأس الإدارة الأمريكية المجنون، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه.
ما تعلمناه من دروس
التاريخ أن التحولات الكبرى تسبقها حروب كبرى، هذا ما جرى منذ وستفاليا عام 1648،
وانتهاء بالحربين العالميتين الأولى والثانية (1914-1918 / 1939-1945)، وفي كل
تحول لمجرى التاريخ تجري الصراعات شديدة الدموية، وحتى الآن يبدو السير حثيثا
نحوها، وإن كنا لا نتوقعها في أمد قريب ولا نرجوها أبدا.