كتاب عربي 21

القضية الفلسطينية في محيط مأزوم

1300x600
تتلاحق الأحداث في المنطقة العربية لدرجة جعلت قضية فلسطين والتطبيع مع العدو الصهيوني أمرين هامشيين، فالعنف في سوريا والأزمة الخليجية وأحوال العراق ونكبة اليمن والقتل الممنهج في مصر، أثّروا على الاهتمام بمتابعتهما، ولا يمكن إغفال أثر الاستبداد في منع الالتفات لشؤون الغير، وإن كان الغيْرُ أخو الثقافة واللسان.

تلمّس أخبار القضية الفلسطينية وتطوراتها أصبح مصدره الأول من الصحافة العبرية، فلا دول الممانعة عادت تهتم، ولا الحركات الوطنية صارت تأبه لاستغراقها في مشاكلها.

الأخبار الرئيسية تأتي عن وفد حماس بالقاهرة، وتصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال عن العلاقات الإسرائيلية - العربية "الأفضل على الإطلاق"، وتصريحات أخرى عن عدم إخلاء أي مستوطنة أخرى.

ما يبدو في الأفق أن حركة حماس تدخل تدريجيا في عملية تهدئة مع النظام المصري، ودائما ما ترتبط عمليات التهدئة بجهاز المخابرات العامة الذي يمسك بهذا الملف ويديره بقدر كبير من التعقّل، وغاية هذه التهدئة غير معلومة على وجه اليقين، لكن دخول دحلان -المرتبط بالإمارات والعدو القديم للحركة- على هذا الخط ساهم فيه، ويبدو أن هناك رغبة في إخراج التأثير القطري على قرار القطاع مقابل قرار ما يسمى بدول الاعتدال العربي، والأدوات المستخدمة هي الأدوات الاقتصادية، كاتفاقية الوقود التي أبرمها قادة القطاع مع مصر لتزويد محطة الكهرباء به، والوصول لاتفاقية بين فتح وحماس يتم بموجبها بدء تسليم الرواتب، وتخفيف الحصار عن القطاع وما إلى ذلك.

الأمر الذي يهم كل مهتم بالشأن الفلسطيني أن ترتفع المعاناة عن قطاع غزة، وأن تتحسن أحواله مع جارته المخاصمة له، دون أن يؤثر ذلك على المسارات الحيوية للقضية، وما تحتاج النظم العربية والفصائل الفلسطينية لفهمه أن التنازلات لن تكون مسموحة شعبيا مهما كان وزن صاحب القرار الفلسطيني والعربي، وتجربة الأقصى الأخيرة في ظل التخاذل العربي أثبتت مناعة الشعب الفلسطيني ضد محاولات تركيعه سواء بلقمة العيش أو بالحصار أو ببطش العدو الصهيوني.

على جانب مقابل خرج تصريحان من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أحدهما توجه للشأن الداخلي والآخر عن العلاقات المحيطة، فوفقا لموقع "the times of israel" قال نتنياهو لآلاف المشاركين في حدث للاحتفال بخمسين عاما من الاستيطان الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية يوم الاثنين 28 أغسطس/آب الماضي: "نحن هنا لنبقى إلى الأبد. لن يتم اقتلاع مستوطنات في أرض إسرائيل بعد.. هذه ورثة أجدادنا.. هذه أرضنا"، وقال نتنياهو عن المخاطر التي تواجه دولته حال الانسحاب من شمال الضفة: "السامرة -الاسم التوراتي لشمال الضفة- منطقة إستراتيجية لدولة إسرائيل.. إنها أساسية لمستقبلنا، لأنه من هذه التلال العالية -مرتفعات جبل حتسور (تل العاصور)- يمكننا رؤية البلاد بأكملها، من جهة إلى أخرى"، وقال: "لقد اقتلعنا مستوطنات.. فعلى ماذا حصلنا؟ حصلنا على صواريخ. لن يحدث هذا مرة أخرى.. لهؤلاء الذي يريدون اقتلاع ما زرعناه، (أنا أقول) سوف نعمق جذورنا.. تخيلوا أن تتواجد في هذه التلال قوات الإسلام المتطرف" وأضاف مخاطبا قادة العالم: "هذا سوف يهددنا، سوف يهددكم، ويهدد الشرق الأوسط بأكمله".

هذا الخطاب الذي يغازل به نتنياهو اليمين الإسرائيلي والذي يعبر عن قناعات الكثير من قادة دولة الاحتلال هو الذي يبيّن حجم الأزمة العربية الحالية، ففي حين يخرج نتنياهو لسانه للجميع ويقول إن المستوطنات لن يتم تفكيكها إلى الأبد وأن الاحتلال دائم إلى الأبد، نجد في المقابل التقاتل العربي حول "التدخلات القطرية" ولا نجد سحبا للسفراء ولا قطعا للعلاقات العربية-الإسرائيلية "العلنية على الأقل"، بل تعميقا لها، وعودة للسفير الإسرائيلي لمصر بعد غيابه منذ ثمانية أشهر لظروف أمنية، ويبدو أن مصر أزالت مخاوفه ولم تُزِل مخاوف المصريين في الشوارع والطرقات.

نتنياهو الذي يواجه تهما بالفساد هو وزوجته لا يكف عن الحديث الحاد والمتصلب في القضية الفلسطينية، ورغم ذلك نجد منه حديثا آخر عن تحسن غير مسبوق في العلاقات مع الدول العربية وقد نقل الكاتب "رفائيل أهرين" عنه في حديثه لدبلوماسيين إسرائيليين في 6 سبتمبر/أيلول الجاري خلال حفل رفع نخب بمناسبة عيد رأس السنة اليهودية في وزارة الخارجية في القدس: "ما يحدث في الواقع مع البلدان العربية لم يحدث من قبل في تاريخنا، حتى عندما وقعنا على اتفاقيات" إن التعاون بين إسرائيل والبلدان العربية قائم "بطرق عدة وعلى مستويات مختلفة"، لكن لا يزال غير ظاهر على السطح -كما قال- مضيفا أنه بعيد عن الرأي العام، "هناك أكثر بكثير مما كان عليه الوضع خلال أي فترة أخرى في تاريخ إسرائيل، هذا تغيير هائل، العالم كله يتغير".

تأكيد نتنياهو على تغيّر العالم ليس من فراغ، فهو أول رئيس وزراء يقوم بزيارة رسمية لأمريكا اللاتينية، وهي إحدى مناطق التعاطف الفلسطيني، لكن نتنياهو بدأ في اختراق هذه المساحة، وعلى جهة أخرى رفع شعار "إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا تأتي إلى إسرائيل" وزار رواندا وأثيوبيا وكينيا وليبيريا وأوغندا وهي دول التي لم يزرها مسؤولون من قبل، ولا يخفى ارتباط بعضها بنهر النيل، كما توجه في زيارات أخرى جديدة على المسؤولين الإسرائيليين في أذربيجان وكازاخستان وسنغافورة وأستراليا، ويهدف بتلك الآفاق الجديدة تقليل الأصوات الرافضة لدولته في المحافل الدولية، في مقابل تناحر عربي وانكفاء ذاتي من عصابات الحكم التي باعت أوطانها وفرّطت في أوطان جيرانه.