في السياق العام للمواقف من الأزمة السورية، لا تخرج التصريحات الأخيرة التي أدلى بها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عن المناخ الذي بات يسود في عدد من العواصم، ويوحي بأن المعارضة فشلت في إسقاط النظام السوري، وأن مصير بشار الأسد ليس مطروحا بالتالي للبحث في المرحلة الانتقالية، ما يعني أنه قد يكون مؤهلا لترشيح نفسه لولاية أخرى في إطار أي حل سياسي.
وقد سمعنا أكثر من إيحاء في هذا الاتجاه على لسان مسؤولين أميركيين وفرنسيين وسواهم. غير أن إعلان دي ميستورا أن على المعارضة أن تدرك أنها لم تربح الحرب، وأن عليها بالتالي أن تأتي إلى مفاوضات جنيف في الشهر المقبل، متحلية بشيء من الواقعية، هذا الإعلان هو الأول على لسان ممثل للأمم المتحدة، وهو ما أثار شكوك المعارضة في شأن حياد دي ميستورا، الذي وضع عقبات جدية أمام متابعة مهمته التي تقتضي الحفاظ على موقع وسط بين طرفي الأزمة.
وقد بلغ تصعيد مواقف المعارضة ضد ميستورا حد الدعوة إلى استبداله بمبعوث آخر، كما طالب رياض حجاب، المنسق العام لـ «الهيئة العليا للمفاوضات» الذي قال أن وساطة الأمم المتحدة في سورية فشلت. وزاد من شكوك المعارضة أن تصريحات المبعوث الدولي في شأن هزيمة المعارضة تلتقي في هذا التوقيت مع مواقف إعلام النظام السوري والمتحالفين معه في «محور الممانعة»، والتي تؤكد انتصارهم على «المؤامرة الكونية» التي يقولون أنه تم تدبيرها لإسقاط بشار الأسد وتحقيق المكاسب في المنطقة للمشروع «الإمبريالي - الصهيوني» الذي لا يتوقف عن تهديد هؤلاء «الممانعين» وإقلاق راحتهم!
وحتى لو وضعنا جانبا مسألة الحياد المفترضة في مبعوث دولي، هناك مسألة أخرى قد تكون أكثر أهمية، لأنها تعكس سوء تقدير دي ميستورا مسارَ المفاوضات التي رافقها سلفاه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي اللذان اكتشفا حجم العقبات التي يستطيع النظام السوري وضعها في وجه أي تسوية سياسية للأزمة، مهما حسنت نيات المعارضين ومهما قدموا من تنازلات. وكانت هذه العقبات هي التي دفعت الرجلين إلى الاستقالة من المهمة المستحيلة. ومن المستغرب أن دي ميستورا الذي أمضى حتى الآن ثلاث سنوات في هذه المهمة، لم يتوصل إلى هذا الاستنتاج الذي بات يدركه كثيرون من المتابعين للأزمة السورية، وهو أن المخرج الوحيد الذي يرضى به بشار الأسد هو استعادة السيطرة على كل الأرض السورية والقضاء على المعارضين الذين يصفهم بـ «العملاء». هذا هو «الحل السياسي» الذي يطمح إليه النظام السوري.
لكن حلا كهذا سيكون صعب التسويق في سورية وفي المنطقة بعد الدمار والخراب والقتل الذي لحق بسورية وشعبها على يد بشار الأسد ونظامه. لا المعارضة ولا حتى الأطراف الإقليمية والدولية التي تدعو إلى البحث عن مخرج للأزمة، على قاعدة «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم»، ستكون قادرة على ابتلاع حل كهذا والتعايش مع بقاء بشار الأسد في الحكم. هل هناك من يستطيع تصور الرئيس السوري عائدا إلى شغل كرسيه في القمم العربية مثلا، أو واقفا على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد كل ما ارتكبه في سورية؟
قد تكون تصريحات دي ميستورا كافية لتتيح لهذا الديبلوماسي السويدي الأنيق، والمطعّم بنكهة إيطالية، الاحتفاظ بوظيفته؛ إذ إنها تتفق مع كثير من المواقف الدولية السلبية حيال المعارضة السورية في هذا الوقت، لكن هذه التصريحات ستشكل عقبة كبيرة أمام إقناع المعارضة باستمرار التعاون معه والثقة فيه، لأنها باتت تعتبر أن موقفه يقترب من مواقف النظام والقوى الداعمة له، خصوصا روسيا وإيران، مع أن دي ميستورا عاد واستدرك قائلا أن «لا أحد في الحقيقة يمكن أن يعلن أنه فاز بالحرب في سورية».
الحياة اللندنية