احتار العالم فينا نحن العرب بعد أن مرت من القرن الجديد سبعة عشر عاما عجافا لم تزدنا جميعا سوى تعاقب الأزمات وتفاقم المصائب، وقال البعض منا إن رؤية الرسول الأعظم في خطبة الوداع قبل خمسة عشر قرنا تحققت بتقاسم الأقوياء لحمنا وأرضنا وخيرنا، كأنما يتهافت الأكلة على قصعتنا من كل حدب وصوب، فهل بالفعل رغم كثرتنا أصبحنا غثاء كغثاء السيل ؟
ما يحدث في إقليم الخليج منذ شهر يعزز هذا الاعتقاد بتعرض دولة قطر إلى ظلم ذوي القربى وهو أشد مضاضة بعد أن كانت تجربة مجلس التعاون تنعت من المراقبين منذ 25 مايو 1981 بأنها بيضة الديك وأنها الفريدة التي نجحت في توحيد شعوب عربية أصيلة يجمعها التاريخ وتربطها الجغرافيا وتعززها صلات الرحم!
نسي الناس في زحمة المظالم المسلطة على قطر وعلى شعوب محاصريها أن فضل انتشار الإسلام يعود منذ فجر الرسالة المحمدية إلى هؤلاء الصحراويين الأصلاء الذين غيروا وجهة التاريخ الوسيط بنشر الدين الذي صنع حضارة العلم والتسامح والمنعة والعزة وصدر للغرب علوم الفلك والرياضيات والطب والهندسة والري والصيدلة! ثم إلى أين تسير الحروب المعلنة والفوضوية في سوريا والعراق وليبيا واليمن بعد أن خرجت مصائرها من أيدي العرب وتحكمت فيها قوى عالمية أو إقليمية لديها مصالحها المتضاربة وتحالفاتها المتغيرة ولكن ضحاياها الدائمون هم أنفسهم منذ معاهدة سايكس بيكو سنة 1916 أي نحن العرب فعدنا بعد قرن كامل نحمل اسم الرجل المحتضر وتنعت خيراتنا وأراضينا بتركة الرجل المريض الجاهزة للتقاسم بين القوى الأجنبية!
ثم حلت علينا لعنة الإرهاب فأصبح المجتمع الدولي يربط بين الإسلام والعنف وورطنا بعض الضالين باقتراف جرائم إرهابية منعزلة لأسباب مختلفة لكنها تنتهي بذات النتائج أي بتأليب الرأي العام العالمي ضدنا وفي مصر هذا الأسبوع نفذ إرهابيون جرائم لا تبرر ولا تغتفر ضد سواح أبرياء في أحد فنادق الغردقة مثلما صنع سلفهم في أحد فنادق مدينة سوسة التونسية ولم تمح من ذاكرة الأوروبيين جرائم القتل العشوائي والدهس المتعمد لمجموعات من المواطنين المحتفلين بأعيادهم في باريس أو نيس أو برلين فتشوهت صورتنا وتلوثت سمعتنا رغم أن من بين العرب والمسلمين ضحايا عديدون لهذه الجرائم الإرهابية الجبانة والمجانية والمدانة.
نحن نقف اليوم أيضا أمام أنقاض مدينة الموصل أجمل مدن العراق وأعرقها تاريخا وأوفرها تعايشا بين الأديان والطوائف والملل والنِّحل حين كانت ضفتا نهر دجلة تجمع بين المختلفين في الدين والمذهب دون أي تمييز أو انحياز فجاء التطرف المقيت يعلن نهاية التعايش السلمي وإقرار الحرب محل السلام الاجتماعي والحضاري وستبقى أطلال الموصل لسنوات طويلة شاهدة على انهيار صرح إنساني من الأخوة في الوطن.
متى نعي وعيا صادقا أن ما يحدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا من حروب أهلية أو إقليمية وما تعانيه مصر أو تونس أو الجزائر أو الأردن من عمليات إرهابية منعزلة ليست شؤونا داخلية لكل بلد من البلدان العربية كما يدعي بعض خبرائنا، بل يشكل شأنا عربيا عاما لا يقتصر فصل من فصوله على رقعته الجغرافية، بل إنه هم عربي ثقيل ومستمر يتحمل وزره كل عربي أينما كان، ومتى ندرك أن السر في تجاوزه وطي صفحاته السوداء إنما يكمن في وحدة الصف ولم الشمل، وهذا عين ما أنجزته الشعوب الأوروبية بعد حربين عالميتين راح ضحاياهما خمسون مليونا من البشر.
ولم تزد المصائب أوروبا إلا توحيدا وتنسيقا ورفع تحديات إلى أن بلغت القارة العجوز مرحلة الاتحاد الأوروبي الذي يشكل قوة موحدة ونافذة ووازنة في السياسات والاستراتيجيات والاقتصاد والتجارة والثقافة وتقرير المصير. ألا يخجل العرب حين يستقبلون الرئيس الفرنسي مثلا وتضع إدارة المراسم العربية وراءه رايتين إحداهما لدولة فرنسا والثانية ترمز للاتحاد الأوروبي بنجومها الاثنتي عشر على خلفيتها الزرقاء. في الرايتين رمز الانتماء للوطن الأم فرنسا والانتماء لاتحاد أوروبي يحد من استقلال كل دولة عضو بإرادتها الحرة لكنه يمنحها القوة التي نفتقدها نحن العرب.
إننا مهددون بطردنا من التاريخ والبقاء على هامش الحضارة، إذا ما تواصلت انقساماتنا، واستمرت فرقتنا، وتجزأت دولنا، وتطاولنا على نواميس التاريخ، فتحدينا القوانين الدولية، وأشعنا الفوضى، وأهملنا واجبات الحكم الصالح الرشيد في عالم لم يعد يعترف إلا بالتكتلات الكبرى والأمم الموحدة.
الشرق القطرية