غفل أغلب المحللين عن تصنيف ما قدم لدولة قطر من "مطالب" في سجله الصحيح الذي اعتمده القانون الدولي وشرح مقتضياته وفسر دواعيه وعلل أسبابه، فهل نصنف سلوكيات الدول الأربعة في خانة المقاطعة؟ أم في خانة الحصار المضروب بصريح البيانات الصادرة في بداية الأزمة بأن دولة قطر تخضع لحصار بري وبحري وجوي؟ أم نتجاوز هذه التصنيفات إلى ما شرحه بالتفصيل البند الثاني والأربعون من معاهدة لاهاي لسنة 1907 حول مصطلح "الاحتلال" بالإنجليزية والفرنسية occupation وهو المصطلح الذي يتبادر إلى الذهن والذاكرة حين نقرأ في ميثاق الأمم المتحدة تعريفه باللغة اللاتينية:
JUS AD bellum بالطبع لم يبلغ حال الأزمة اليوم درجة "الاحتلال" بمفهومه العسكري، وهذا أمر مستحيل لأسباب عديدة منها أن أطراف الأزمة ومن صنعوها مهما طالت الأزمة يعتبرونها عابرة وتعتبر شعوبهم دولة قطر شقيقة ذات سيادة ويرتبط مجتمعها ارتباطا وثيقا بوشائج الأسرة والقبيلة والتاريخ والمصالح منذ أقدم العصور. لكن إذا ما وضعنا بعض الشروط المعلنة على محك القانون الدولي أدركنا أنها شروط وصفها وزير الخارجية الألماني بالمستفزة جدا، أي بمنطق القانون الدولي العام تفرض عادة على دولة محتلة من قبل من احتلوها. وأعتقد أن مقدمي تلك المطالب وفارضي تلك الشروط مصابون بفقر في إدراك مستحقات القانون الدولي والملابسات الإقليمية والدولية المحيطة بالأزمة، ولم يدركوا خطر التعامل مع دولة مستقلة ذات سيادة كاملة مثلما أقر بذلك وزير الخارجية الأمريكية تيلرسون، كأنهم يتعاملون مع دولة تم احتلالها، وهنا لا أقصد احتلال الأرض بل التمهيد باحتلال كل مستحقات الاستقلال في القرار ومصادرة الخيار. ويعلم كل النزهاء بأن سيادة دولة قطر حدت منها دولة قطر نفسها بمحض إرادتها حينما وقعت قيادتها على ميثاق مجلس التعاون في 25 مايو 1981 بالرياض وقبلت كل بنوده، بل وكانت سباقة إلى تنفيذ كل قرارات المجلس وقممه إلى حد الساعة، وقدمت شهداء في عمليات عسكرية مشتركة مما لم يعد يحتاج إلى دليل. أما تصنيف شروط القوة المعروضة على دولة قطر إذا وضعناها تحت مجهر القانون الدولي فهي شروط احتلال بما يعنيه من إحلال نمط مفروض من الإملاءات المهينة والهجينة مكان خيارات سيادية حرة ومسالمة ومراعية لحقوق الجوار وحقوق الحلف المكتوب في ميثاق مجلس التعاون وميثاق الأمم المتحدة. يقول الأستاذ "داريو باتيستلا" أستاذ القانون الدولي في جامعة بوردو الفرنسية في كتابه المرجع "نظريات العلاقات الدولية": "إن مفهوم احتلال دولة ما تغير في العقود الأخيرة من تواجد على أراضيها بقوة السلاح إلى وضع اليد وفرض الرقابة على سياساتها وخياراتها ومواردها أي مصادرة مستقبلها".
ويضيف د. محمد سعادي أستاذ القانون الدولي العام في جامعة الجزائر قائلا في كتابه "مسؤولية الدولة في ضوء التشريع والقضاء الدوليين" مؤكدا: "إن إتيان دولة ما عملا غير مشروع ومخل بقواعد القانون الدولي أو بحق من الحقوق الأساسية تمس من سلطات الدولة المستهدفة يعتبر إخلالا بقواعد القانون الدولي العام حتى لو كانت هذه الأفعال لا تتعارض مع أحكام قانونها الوطني، وتكون الدولة (أو الدول) المعتدية لها مسؤوليتها إما تقصيرية وإما جنائية (وقد نادي الفقه القانوني الدولي منذ مؤتمر الأمم المتحدة بستوكهولم 16 يونيو 1972 بضرورة توقيع العقوبات الدولية على الدولة "أو الدول" المرتكبة لهذه الممارسات)، وهي مسؤولية جنائية دولية. يقول فقيه القانون الدولي "بيلا" في كتابه "الحرب الإجرامية ومجرمو الحرب" إنه "إذا أردنا أن يتحقق السلام الدولي فإننا مضطرون إلى الإقرار بالمسؤولية الجنائية لكل دولة لا تحترم أصول التعايش السلمي بين الدول وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة سواء كان بفرض العدوان أو بفرض الاحتلال حتى في شكل وصاية وحصار". هذه المبادئ التي، غفل عنها البعض لا بد من التذكير بها حتى تكون رؤيتنا لأزمة الخليج الراهنة صحيحة وموثقة وفي كنف تطور القانون الدولي عبر الزمن.
الشرق القطرية
ر