لابد من خلق محور يضم "تركيا" و"قطر" و"إيران" لمواجهة المحور الصهيوني ، وإلا فلنستسلم تماما لمن يبغونها عوجا ويعملون على تسليم المنطقة "تسليم مفتاح" لإسرائيل!
"إيران" كالدهر إن سرك منه شيء ساءتك أشياء، لكن العلاقات بين الدول، لا ينبغي أن تقوم على "الاستلطاف" والحب، فلا تأس على الحب إلا النساء!
في اليوم التالي لتنحي مبارك، كنت في مداخلة تلفزيونية، عندما سألني المذيع عن توقعي للعلاقة بين "إيران" و"مصر" في مرحلة ما بعد الثورة؟، فأجبت أنني أتوقع أن تسقط القطيعة بين البلدين بسقوط مبارك، فمصر الثورة ينبغي أن تمد جسور الصلة مع الثورة الإيرانية، التي وصفتها بـ "الثورة الأم"، ولم أكن محصورا في وصفها بـ "الثورة الإسلامية"، وهو الوصف الذي يعطي للبعض حجة لاستدعاء المذهبية، ويستدعى على أثره خلاف قديم حول من أحق بالخلافة، وهو أطول خلاف في التاريخ!
وما يهمني في الثورة الإيرانية، أنها نجحت بحضور الجماهير، في إسقاط حكم واحد من الطغاة، وهو الشاة الذي كان يمارس التعذيب والقتل ضد خصومه، ويحكم الشعب الإيراني الأعزل بالحديد والنار، ثم أن الشاة كان مؤيدا من قبل البيت الأبيض، الذي غض الطرف عن كل جرائمه ضد الإنسانية، تماما كما يفعل مع كل الحكام العملاء في المنطقة، ولهذا فأنا أعتبر أن نجاح الشعب الإيراني في إسقاطه هو إنجاز بشري، يُذكر فيشكر، ولاسيما أيضا وأن الخلاف المصري – الإيراني في عهد مبارك، كان مدفوعا بمحاولة إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، وليس لأن مبارك منحاز لأهل السنة والجماعة!
وقد روى لي الراحل مصطفي كامل مراد، رئيس حزب "الأحرار"، كيف أنه "فاتح" مبارك، في ضرورة أن تشكل أحزاب المعارضة وفدا لزيارة طهران؟.. والذي رد عليه بأن هذا سيغضب الأمريكان؟.. ولما قال له مراد بأنه إذا حدث الغضب الأمريكي، فليكن رده أن من قاموا بالزيارة ينتمون لأحزاب المعارضة، والتي تستغل المناخ الديمقراطي في التصرف، وليس من سلطته التدخل في شؤونها. كان تعليق مبارك، بأن الأمريكيين لا يمكن خداعهم بأن المعارضة حرة، لأنهم على دراية بطبائع الأمور، ويعرفون "البئر وغطاه"، وسيكون اتهامهم له شخصيا بأنه أعطى الموافقة لهذه الزيارة، إن لم يكن قد أمر بها!
والحال كذلك، فإن مصر الثورة ينبغي أن يكون لها موقفا مغايرا عن موقف مبارك من الثورة الإيرانية. ولأنه لم يكن لي أن أطالب بشيء من هذا في عهد المجلس العسكري، الذي كان امتدادا لعهد مبارك، فقد كنت من الداعين في عهد الرئيس محمد مرسي، إلى مد جسور الصلة مع "إيران"، فهذا إجراء طبيعي من حيث الشكل، للأسباب التي ذكرتها، وفي الموضوع، فإن علاقة مع طهران، ستمثل حماية لظهر الثورة، من التآمر الخليجي عليها، وإذ كان الخليجيون – عدا قطر – قد ضنوا عليها بالدعم والمساعدة، فإن السياحة الإيرانية كفيلة، بأن تعوض الفشل في مجال السياحة من جراء حرص الثورة المضادة على استمرار الفوضى!
كان هناك مشروع قد وضع في عهد مبارك، عن سياحة العتبات المقدسة في مصر، والذي فكر أهل الحكم في عهده في الاهتمام بهذه السياحة ثم تراجعوا. وفي عهد الرئيس مرسي، احتشدت الثورة المضادة بذراعها السلفي في إفشال أي تقارب مع إيران، وكانت دعاية السلفيين توحي بأن الاقتراب من أي شيعي ولو كان سائحا عابرا يمكن أن تنقل التشيع إلى مصر بالعدوى، واللافت أنهم يتكلمون عن بلد حكمه الشيعة لقرنين، وبنو الأزهر من أجل نشر المذهب الشيعي، وعندما غادروا البلاد، خرجوا ومعهم مذهبهم، وصار الأزهر هو أكبر مؤسسة تعليمية في العالم تنشر المذهب السني!
ولم يكن عدم التقارب بسبب الدعاية السلفية فقط، في مرحلة كان من يتحدث فيها في أمور العامة من لم يمارس السياسة من قبل ويفتقد للخبرة في هذا المجال، فقد كان الرئيس مرسي وجماعته تحكمهم "العاطفة"، ويشغلهم "وهم المثلث السني"، الذي يضم مصر، والسعودية، وتركيا، وبالغ مرسي في الانتصار لعاطفته، فعندما ذهب لطهران، كان حريصا على إحراج الإيرانيين، أكثر من حرصه على إقامة علاقة طبيعية، وتفاخر القوم بأنه وجه في خطابه التحية للصحابة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي.
ولم تمنع دلالة الرسالة الملك عبد الله من أن يواصل مخططه في الإطاحة بمرسي، لأن المملكة ليست مشغولة بالسنة ومثلثهم، فهي تتحرك في إطار الرأي والحرب والمكيدة، وتعادي كل ما له علاقة بالربيع العربي وإرادة الشعوب!
وبنجاح الانقلاب، المدعوم إقليميا من السعودية والإمارات، في الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، تحركت طهران أيضا في إطار الرأي والحرب والمكيدة فأيدت الانقلاب العسكري وانحازت للثورة المضادة، لأنها قبل هذا انحازت لبشار الأسد أيضا ضد الثورة السورية، وكانت ترى في الثورة المصرية المنحازة للثوار السوريين خطرا، والمراقب يعلم أن الشيعة المصريين قد انحازوا أيضا للثورة المضادة في مصر، وقد أغراهم أن عبد الفتاح السيسي ترك لهم الباب مواربا للسفر إلى طهران، بدون تضييق أمني في البداية، لأنه كان يتعامل مع "إيران" على أنها ورقة للابتزاز، فناور بها في مواجهة بلاد الرز، واستدعى وفدا حوثيا لزيارة القاهرة، في رسالة استهدف بها أن يقول أن جميع الخيارات مفتوحة أمامه، فلا تحكمه مرجعية سياسية أو مذهبية، فهو يدور مع الرز وجودا وعدما!
لقد استوعبه الخليج من جديد، فعاد السيسي إلى أحضانه الدافئة، وشارك في الحصار المفروض على قطر، لعله يخرج منه ببعض الرز، وبنظرة إلى أحد شروط الإذعان التي تطالب بها دول العدوان الثلاثي على قطر، سيتأكد أن قائد الانقلاب في مصر حاضر، وهو الطلب الخاص بطلبه الدعم القطري تحت غطاء تعويض الخسارة التي تسببت فيها الدوحة من جراء دعمها للإرهاب.
ولم أكن وأنا أطلب من مصر الثورة أن تقيم علاقة مع الثورة الإيرانية، ناسيا موقفي المهاجم للغل المذهبي الذي ترعاه طهران في العراق، الذي أنتج حرص الشيعة في العراق على إعدام الرئيس صدام حسين في يوم عيد الأضحى للمسلمين السنة، في رسالة لا تخطئ العين دلالتها، لكن هذا لا يمنع من ضرورة تحالف الثورتين، لأن الثائر الشيعي هو أقرب للثورة المصرية من أهل السنة والجماعة حكام المملكة العربية السعودية، وفي التقارب ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، ويحد من هذا التطرف المذهبي!
وبعد أن تبين أن المثلث السني، هو وهم من خيال فهوى، ولم يكتف أهل الحكم في المملكة برعاية الانقلاب العسكري، الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي الذي كان يتحرك بعاطفته المذهبية نحو دعم هذا المثلث، وإنما رعوا المذابح ودافعوا عنها، ثم واصلوا مسيرتهم في حصار دولة قطر، لحملها على الانصياع لإرادة محور الثورة المضادة، ويهدفون لإغلاق قناة "الجزيرة"، التي هي "صوت الربيع العربي" شاء من شاء وأبى من أبى، ففي اعتقادي أنه لا أمل إلا بإنشاء محور جديد، يقوم على أساس التعبير عن الشموخ ولو في حده الأدنى في مواجهة الانبطاح الكامل للمشروع الإسرائيلي، وهذا المحور ينبغي أن يضم "إيران" بجانب "تركيا" و"قطر"!
فليس معقولا أن المحور الصهيوني يتكاتف فيما بينه، متجاوزا الخلافات، ثم تكون المحاولات المغرضة، لجرنا لخلافات قديمة حول من أحق بالخلافة؟!
وإذا كان هناك تخوف من انتقال المذهب الشيعي بالعدوى، وبمجرد أن يمر شيعي بجوار سني، فلماذا لا نعمل على أن يصبح المذهب السني قابلا للانتقال للشيعة بالعدوى أيضا؟!
أعلم أن الأمر لا علاقة له بالشيعة والسنة، لكنها محاولة حماية المخطط الصهيوني، باستخدام السذج الذين يستدعون المذهبية، وكأن في الحماية الإماراتية للبوذية ، ما ينتصر لأهل السنة والجماعة! وما قولكم في أن وضع دول العدوان الثلاثي على قطر، عالما بحجم الشيخ يوسف القرضاوي على قائمة الإرهاب مع انه سبق له التنديد بالشيعة ومخططاتهم، ويعد الآن هو إمام أهل السنة في العالم الإسلامي كله.
إن مثلي لا يمكنه أن ينكر أن طهران قدمت الدعم للمقاومة الفلسطينية بدون قيد أو شرط، هذه المقاومة التي يجري التآمر عليها من أذرع الصهيونية في المنطقة، ويفرض الحصار على قطر بتهمة استضافة رموزها.
التقارب الآن، قبل ألا يكون هناك آن!