بعد ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، اتجه المستهلك المصري للأسماك كبديل أرخص للبروتين الحيواني، إلا أن أسعار الأسماك الشعبية شهدت طفرة سعرية لم تحدث من قبل؛ حيث زاد سعر كيلو البلطي من 15 جنيها إلى 35 جنيها خلال أسابيع قليلة، كما زاد سعر البوري إلى 60 جنيها للكيلو.
والبلطي والبوري هما أبرز الأنواع الشعبية، وشمل الارتفاع السعرى الأنواع غير الشعبية مثل الدنيس والجمبرى، ورغم القيام بحملات شعبية لمقاطعة استهلاك الأسماك ببعض المحافظات الساحلية، إلا أنها لم تسفر عن تراجع الأسعار؛ بسبب نقص العرض والعادات الاستهلاكية بها.
العاملون بمجال إنتاج الأسماك يذكرون أن مشاكلهم تزايدت منذ أربع سنوات، خاصة من تلوث البحيرات، ما أدى بالاتحاد الأوربي لوقفه استيراد الأسماك المصرية، والصيد الجائر ونقص الذريعة وتجفيف البحيرات مثل ادكو والبرلس، لكنهم لم يجدوا اهتماما رسميا لحلها.
وتملك مصر مصايد أسماك بمساحة 13 مليون فدان، ما بين بحار وبحيرات ونهر النيل والترع والمصارف، منها 11 مليون فدان بمصايد البحرين الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، و600 ألف فدان بالبحيرات العشر، وبحيرة ناصر الصناعية التي تبلغ مساحتها 2ر1 مليون فدان.
إلا أن الإنتاج السمكي من كل تلك الأماكن بلغ 1,5 مليون طن بالعام الأسبق، نسبة 76 % منها من المزارع السمكية المملوكة للقطاع الخاص، وتوزعت النسبة الباقية والبالغة 24 % على البحيرات العشر بنسبة 11 %، و7 % للبحرين الأبيض والأحمر و5 % للمياه العذبة خاصة بنهر النيل و1 % لحقول الأرز حيث يتم تربية السمك بها.
النيل ينتج 70 ألف طن
وهكذا لم تساهم سواحل البحر المتوسط سوى بنحو 58 ألف طن فقط، وسواحل البحر الأحمر 45 ألف طن، وبلغ إنتاج البحيرات العشر 171 ألف طن كان أعلاها لبحيرة البرلس 65 ألف طن وبحيرة المنزلة 50 ألف طن، وأدناها ببحيرة قارون بنحو ألف طن فقط مع ارتفاع درجة الملوحة بها.
والبحيرات المرة وبحيرة التمساح وقناة السويس معا بنحو 3,5 ألف طن بسبب الإجراءات الأمنية التي تمنع تواجد الصيادين قرب الممر المائي للسفن العابرة للقناة، وبلغ إنتاج نهر النيل الممتد بطول البلاد 70 ألف طن، وحقول الأرز 17,5 ألف طن.
ورغم تكفل المزارع السمكية بإنتاج 1,2 مليون طن، إلا أنها تواجه معوقات متعددة منها، الإجراءات البيروقراطية في التعامل مع 15 جهة حكومية، وارتفاع سعر الأعلاف خاصة مع تدهور سعر صرف الجنيه المصري حيث أن معظمها مستورد.
وتسبب قرار محافظات دمياط وكفر الشيخ والبحيرة بمنع تواجد الأقفاص السمكية بالنيل بتراجع الإنتاج من أصناف المياه العذبة، أيضا الإجراءات الأمنية التي تمنع تواجد العاملين بالمزارع السمكية البحرية بعد غروب الشمس، وتراجع مساحة المزارع السمكية حاليا عما كانت عليه قبل ثماني سنوات.
تراجع الاستيراد والتوسع بالتصدير
والنتيجة أن الإنتاج السمكي المصري لا يكفى الاستهلاك المحلى، حيث تصل نسبة الاكتفاء الذاتي رسميا 89 %، بينما يرى العاملون بمجال الأسماك بلوغ النسبة 80 % فقط، حيث يتم استيراد أنواعا شعبية مجمدة تناسب الشرائح الفقيرة، بالإضافة لنوعيات من أسماك المناطق الباردة مثل الماكريل.
ويظل التساؤل لماذا تصاعدت أسعار الأسماك مؤخرا؟ ويجيب العاملون بتجارة الأسماك، بأن التشديد على الاستيراد لتقليل الضغط على الدولار محليا قلل كميات الأسماك المستوردة، كما زادت تكلفة استيرادها بسبب تضاعف سعر الصرف وكذلك زيادة تكلفة الجمارك.
وعلى الجانب الآخر أدى تراجع سعر الصرف إلى المزيد من الإغراء المادي لتصدير الأسماك المصرية إلى الدول الخليجية خاصة السعودية والإمارات، كما ساهم ارتفاع تكلفة الأعلاف بعد تعويم الجنيه في زيادة التكلفة بالمزارع السمكية، إلى جانب زيادة تكلفة النقل في ضوء زيادة أسعار الوقود، والتوتر باليمن وليبيا مما قلل من تواجد سفن الصيد المصرية قرب شواطئها.
وعلى الجانب الآخر، لم تتحقق وعود النظام المصري التي أطلقها في أغسطس 2014 عن توفير الأسماك بأسعار رخيصة، من خلال إنشاء أحواض لإنتاج الأسماك من النوعيات الممتازة بالمنطقة المجاورة لتفريعة قناة السويس الجديدة، ورغم افتتاح المرحلة الأولى من المشروع في ديسمبر الماضي إلا أنها مازالت في دور الإنتاج التجريبي وكانت أسعارها مرتفعة، ورغم توجيه إنتاجها لمحافظة الإسماعلية فإن الإسماعلية تعانى من ارتفاع أسعار السمك.
كذلك تأخر بدء إنتاج المزرعة السمكية ببركة غليون بكفر الشيخ، التي يشرف عليها الجيش كأكبر مزرعة سمكية بالشرق الأوسط، حسب تصريحات مسؤولين بالجيش، والتي تم تحديد أكثر من موعد لافتتاحها، كان آخرها بنهاية العام الماضي، رغم استلام الجيش لأرض المشروع منذ عام 2010.