خلال الأسبوع المنصرم، استمعت لتوقّعات أحد قيادي حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في البلاد بشأن النتيجة المتوقعة للاستفتاء العام في 16 أبريل المقبل. الأخير وهو نائب في البرلمان التركي أيضا، يعتقد بأنّ المعركة ستكون قاسية، لكن المعسكر المعارض للتعديلات الدستورية والذي سيصوّت بـ"لا" سينتصر وفق توقعاته في نهاية المطاف وذلك بفارق حوالي 1 أو 2%.
لقد تحدّث القيادي في الحزب المعارض بنبرة الواثق، ولعل لديه بالفعل كما الحال بالنسبة لباقي المعارضين في الآونة الأخيرة ما يشجّعه على أن يتفاءل بالنتيجة هذه المرة، فالناس تدرك –كما قال- بأن الاستفتاء المقبل ليس انتخابات بلدية أو برلمانية أو حتى رئاسية، وبالتالي التصويت لن يتم على قاعدة الخدمات التي سيقدمها المرشح البلدي أو البرنامج الذي سيقدمه الحزب السياسي أو حتى شخصية ومؤهلات المرشح للرئاسة. التصويت سيتم على تعديل الدستور وعلى تغيير النظام السياسي، وهذه مسألة في غاية الحساسيّة خاصّة عندما يؤدي ذلك إلى تجميع وحصر المزيد من السلطات في منصب واحد.
انطلاقا من المعطيات التي تحدّث عنها القيادي في حزب الشعب الجمهوري، سألته عن تحضيراتهم لمرحلة ما الانتصار المفترض لمعسكر "لا"، وما هي الرؤية الاستراتيجية الموجودة لدى الحزب لاغتنام ما يفترض أنه سيكون الهزيمة الأولى لحزب العدالة والتنمية ولأردوغان شخصيا منذ 12 عاما.
عمليا الجواب كان يشير إلى أنّ القيادي وحزبه لا يمتلكان أي رؤية أو طرح لمرحلة "ما بعد"! وهذه هي مشكلة المعارضة في تركيا بالتحديد. المعارضة غير مبادرة وتعتمد حصرا على رد الفعل ويقتصر دورها على معارضة كل ما يأتي من السلطة أو الحزب الحاكم بغض النظر عن فحواه، وليس لديها ما تقدّمه أكثر من ذلك. هذه المشكلة التي تتعلّق بالمعارضة تنعكس بشكل سلبي على الحزب الحاكم وبالتالي على النظام السياسي في البلاد.
وجود معارضة ضعيفة يجرّد الحزب الحاكم من الدافع للاجتهاد والحافز للتنافس، كما يدفعه للتخلي عن الكفاءات اللازمة لتحقيق كلا الهدفين وذلك لصالح الولاء والمصالح والشعبوية، وهي عناصر رخيصة التكلفة لكنها تؤدي الى نتائج كارثية على المدى البعيد.
في دردشة مع أحد مؤيدي حزب الشعب الجمهوري ومن الناقمين على أدائه، قال الأخير لي عندما سألته عن توقعاته لنتيجة الاستفتاء: "ربما سيفوز معسكر "لا" بفارق ضئيل، لكن إن حصل مثل هذا الأمر، فليس لحزبنا فيه أي فضل، وإنما لأنّ الشعب التركي لا يُمكن أن يُحكم من قبل رجل واحد. حزبنا للأسف، لا يجيد فعل شيء سوى الحديث، وهو يعارض لمجرد المعارضة ولا يمتلك أي رؤية مستقبلية، وبفضله لا يزال حزب العدالة والتنمية حاكما إلى اليوم، وطالما أن الحزب باق، فإن حزب العدالة والتنمية سيبقى حاكما في المستقبل".
ما أراد أن يعبّر عنه هذا المعارض اليائس أو الناقم ربما يكمن في حقيقة أن القائمين على حزب الشعب لم يفكروا يوما في توسيع قاعدتهم الشعبية، فهو لا يزال يمثل إلى حد كبير بعض النخب الأتاتوركية العلمانية والثريّة وبعض الأقليات الطائفية والقوميّة، وهؤلاء ليسوا السواد الأعظم من الشعب التركي. هناك من يرى بأنّ الحزب لم يسع إلى توسيع قاعدته الشعبية لأنه لم يفكر في يوم من الأيام أن يحكم فعلا، فأقصى طموحه هو أن يشارك في حكومة ائتلافية أو أن يكون صوتا معطّلا داخل البرلمان".
لا شك في أن مثل هذا التفكير أو السلوك لا يمكنه أن يحدد مصير النظام السياسي في البلاد فضلا عن التأثير فيه، وهو ما يعني أنّ على المعارضة التركية أن تحلّ مشاكلها الذاتية قبل أن تلعن مشكلة الحزب الحاكم إذا ما أرادت فعلا الخروج من النمط السائد منذ العام 2002 وحتى اليوم.