لم يبق لإجراء الاستفتاء الشعبي على حزمة التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان التركي سوى أقل من أربعين يوما. وتستمر الحملات الدعائية سواء تلك التي يقوم بها المؤيدون للتعديلات لإقناع الناخبين بالتصويت لقبولها في السادس عشر من الشهر القادم أم الأخرى التي يقوم بها المعارضون لانتقال تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي من أجل دفع الناخبين إلى التصويت ضد الحزمة.
حملة الجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية يمكن وصفها بـــ"الفاشلة" لعدم استنادها إلى حقائق ومبررات معقولة يمكن أن يراها الناخبون بوضوح ويفهموها، بدليل أن خبير الإعلان الشهير، فرانسيسكو غارسيا فيراتا، الذي جاء من تشيلي تلبية لدعوة حزب الشعب الجمهوري لتسويق حملة رفض التعديلات اعترف بأنه لم يفهم ما الذي تَعِدُه حملة "لا" على الرغم من تواجده في تركيا لمدة أسبوع.
رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو في كلمة للرأي العام التركي تم بثها عبر إذاعة تركية، صباح الاثنين، هاجم المؤيدين للتعديلات الدستورية، وقال إنهم يُخفون الحقائق من الشعب، ثم بدأ يتحدث عن احتمال نشوب أزمة كبيرة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في النظام الجديد إن تم تطبيقه بعد قبوله في الاستفتاء. المثير للسخرية أن هذا الاحتمال الموجود في النظام البرلماني المعمول به حاليا هو من أهم الأسباب التي دفعت حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية إلى تغيير الدستور للانتقال إلى النظام الرئاسي، وأن النظام الرئاسي المقترح يهدف بالدرجة الأولى إلى إزالة هذه الإشكالية، وأن النظام الجديد ليس فيه منصب رئيس الوزراء، ما يعني أن رئيس حزب الشعب الجمهوري لم يستوعب حتى الآن محتوى التعديلات الدستورية، ولا يدري ما الذي يرفضه.
ولأن هذه حالة الجبهة المعارضة لانتقال تركيا إلى النظام الرئاسي، اضطرت دول أوروبية، مثل ألمانيا، للدخول على الخط لدعم حملة رفض التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي. وعلى الرغم من أن حزمة التعديلات وعرضها على الاستفتاء الشعبي شأن داخلي تركي، فإن الهستيريا التي أصابت بعض الدول الأوروبية قد تدفع المتابعين إلى الظن بأن هذا التنافس الديمقراطي لن يجري في تركيا، بل سيجري في أوروبا.
الناخبون الأتراك المقيمون في الدول الأخرى سيشاركون في الاستفتاء الشعبي. وهناك جاليات تركية كبيرة في الدول الأوروبية، كما أن أكبر جالية تركية توجد في ألمانيا. ولذلك يحرص الجميع، سواء المؤيدون للتعديلات الدستورية أو المعارضون لها، على تنظيم أنشطة دعائية في مختلف أنحاء هذا البلد لكسب أصوات الأتراك المقيمين فيه. وكانت ألمانيا تسمح في السابق لجميع الأطراف السياسية بلقاء أبناء الجالية التركية في فعاليات شعبية، إلا أنها هذه المرة انحازت تماما للجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية، ما أدَّى إلى أزمة جديدة بين أنقرة وبرلين.
السلطات الألمانية ألغت قبل أسبوع فعاليتين للجالية التركية كان من المفترض أن يشارك فيهما وزير العدل التركي بكير بوزداغ ووزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، لشرح التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي المقترح. وأثار هذا القرار موجة استنكار في تركيا. وانتقد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان قرار الإلغاء، مشيرا إلى أنه لا يختلف عن ممارسات النازية. بل وتحدى السلطات الألمانية قائلا: "أذهب إلى ألمانيا عندما أشاء، وإن حاول أحدهم منعي فحينئذ أقيم الدنيا ولن أقعدها."
لم تكن الردود على موقف ألمانيا هذا مقتصرة على المؤيدين للحكومة، بل شارك فيها زعماء المعارضة.
وأعلن رئيس حزب الحركة القومية، دولت باهتشلي، وقوفه إلى جانب أردوغان، مؤكدا أن رئيس الجمهورية ليس لوحده، وأنه مستعد لمرافقة أردوغان في رحلته إلى أوروبا إن لزم الأمر. كما ألغى رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق، دنيز بايكال، مشاركته في فعالية بألمانيا، احتجاجا على موقف برلين المنافي لحرية التعبير.
ألمانيا، "رجل أوروبا المريض"، منزعجة للغاية من الصعود التركي. وهذا الانزعاج يعود إلى أسباب عديدة؛ منها سياسية، ومنها اقتصادية. ويأتي على رأس تلك الأسباب أن برلين لن تكون قادرة على استغلال تركيا كما استغلت في الحرب العالمية الأولى وما بعدها. وهذا ما يثير جنونها لدرجة أنها تنحاز للجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية بشكل سافر يدفع الناخبين الأتراك للتفكير بأن هذه التعديلات لو لم تكن لصالح تركيا لما استنفرت ألمانيا لرفضها في الاستفتاء.