بعيدا عن الأعين، وفي إحدى جنبات استوديو تصوير برنامج الشيخ حاتم التلفزيوني، يقف الشيخ بمواجهة "صديقه" الممثل نادر في انتظار انتهاء الفاصل الإشهاري.
نادر: طبعا أنت أستاذي وشيخي وأنا تلميذك المخلص.
الشيخ حاتم: اخلص يا نادر ثمان دقايق ونطلع ع الهوا.
نادر: طب أنت متأكد أنك عايز تكمل الحلقة ده؟
الشيخ حاتم: وليه لأ؟
نادر: أنور ابن اللئيمة ده حيسألك سؤال عن الشيح مختار الحسيني بعد الفاصل، وطبعا أيا كانت إجابتك مش حتكون في صالحك وممكن تخلص عليك خالص كداعية تلفزيوني.
الشيخ حاتم: وده بقا تهديد ولا تحذير؟
نادر: أنت مش مصدقني.. طب أنا عايز أوريك مشهد كده كنت عملته في فيلم زمان.
يشاهدان مشهدا لنادر وهو يلاعب فتاة ترقص أمامه. يصدم الشيخ حاتم ويجلس على السلم.
نادر: عرفت مين ده؟
الشيخ حاتم: نشوى!
نادر: هما جابوك هنا يا مولانا علشان يخلصوا عليك.. هما كانوا فاكرينك راجل من رجالاتهم بس بعد ما قلبوك كده وما لاقوش فيك فتحة زامبلك حبوا يربوك وجابوك على البرنامج ده علشان ترجع الراجل بتاعهم حتى لو اضطروا يخلوا نشوى تتكلم. طبعا هما ايلي مأجرينها وعارفين هي بتعمل ايه وعرفوا أنت متورط معاها في ايه. يا مولانا أنت أكبر شيخ في البلد ده وكل الناس بتحبك وبتسمع كلامك يعني لازم تبقى من الرجالة بتاعتهم وإلا بقا الفلوس والبرامج والشهرة والمريدين.. كل ده بح..
كان هذا مشهدا من فيلم (مولانا – 2017) للمخرج مجدي أحمد علي المقتبس من رواية بنفس العنوان للإعلامي المصري إبراهيم عيسى.
لنكمل الفيلم..
يطلب الشيخ حاتم من المقدم أنور عثمان الانفراد به فيدخلان غرفة الشيخ بالأستوديو.
الشيخ حاتم: استشارة فنية.. دلوقت لو فيه خطة موضوعة لنهايتي وبتتنفذ بحذافيرها أعمل ايه؟
أنور: أنا حاسس بيك لأنك لو طلبت يتخفف عنك متضمنش.. محدش يضمن أخوه اليومين دول يا مولانا. الحاجة الثانية أنك تزوغ من الحلقة وحيبقى شكلك وحش آوي وضعيف قصاد جمهورك وقصاد أمن الدولة.. بس فيه حل..
الشيخ حاتم: ايه؟
أنور: تسمع الكلام.. تهدأ.. تطاطي.. تخرج دلوقتي تقول الكلام ايلي الكبار عاوزينك تقوله..
لم يختر السيسي مكانا منزويا لإحراج شيخ الأزهر مرة أخرى وهو يطلق عبارته "تعبتني يا فضيلة الإمام" وهو محاط بزبانية نظامه في عيد الشرطة الأخير. ولم تكتف الأذرع الإعلامية المأجورة للنظام الإنقلابي بتقديم النصح لفضيلة الإمام بل دعته بخشونة واضحة استمدتها من إشارة "الكبير" مهددة الشيخ المحصن بنصوص دستور "النوايا الحسنة" بخيار تقديم الاستقالة والنأي عن مناكفة الزعيم الأوحد وهو "في سعة من قراره وحريته بدلا من أن يفعلها بعد أن تضيق عليه الأرض بما رحبت". ولم يكن رد شيخ الزهر كمثل رد الشيخ حاتم الذي اعتدى على مقدم البرنامج وأغلق عليه باب الغرفة قبل أن يعود لاستكمال البرنامج وحيدا، بل استدعى شيخ الازهر هيئة كبار العلماء لتصدر بيانها بخصوص الدعوات لإنكار "الطلاق الشفهي" بما يشكل سندا شرعيا له ودعما له في المواجهة وتخفيفا للضغوط عليه.
كانت عبارة السيسي بداية حملة منظمة كبيرة على الأزهر وشيخه ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة، فإبراهيم عيسى كاتب حوار فيلم (مولانا) سبق له، وهو العارف ببواطن الأمور، أن اتهم أحمد الطيب بتبني الفكر الداعشي مع اختلاف في طريقة التطبيق وتوقيته. كان هذا قبل سنتين حين رفض الشيخ تكفير تنظيم الدولة كمقدمة لتكفير الإخوان وبقية الجماعات الإسلامية بالشكل الذي يمنح العسكر الغطاء الشرعي لحربهم "المقدسة" على "الإرهاب". لم تختلف الحملة الأخيرة في شيء فقد "أثبتت التجربة السياسية منذ 2011، أن الدكتور الطيب ليس الرجل المناسب في المشيخة. حاول أن يبتعد بالمؤسسة الكبيرة عن حالة الخلاف والاستقطاب السياسي، وأعلى من شأن استقلاليته، وقد يكون هذا أمرا يحمد له، لكن في ظروف غير التي نعيشها، وتحتاج إلى تكاتف الجميع، وتظافر جهودهم لمواجهة خصم شرس يرتكن إلى الدين في تبرير هجومه وحربه من أجل إفنائنا".
يدخل الشيخ حاتم مكتب ضابط أمن الدولة دون استئذان.
الضابط: سيبوه.. اتفضلوا انتم يا بهوات.. أهلا وسهلا يا مولانا.. اتفضل..
الشيخ حاتم: الشيخ مختار فين؟
الضابط: طب اهدأ بس يا مولانا.. ده احنا عايزين نفتح معاك صفحة جديدة يا راجل.. الفرصة قدامك تبقى الشيخ نمرة واحد في مصر كلها.. عرفتنا وعرفناك.. ايه ايلي يمنع اننا ننسق مع بعض علشان مصلحة الدولة والدين.
الشيخ حاتم: الشيخ مختار فين؟
الضابط: مش عندنا.. ومشكلته مش معانا.. انت تعرف كويس اوي أن مشكلته مع المتشددين والسلفيين والرأي العام واللحظة ايلي احنا فيها ده بتفرض علينا يا مولانا نكون ايد واحدة.. فهمني؟
الشيخ حاتم: ومين ايلي عمل كل دول يا باشا؟ مين خادهم على حجره وكبرهم وداهم كل جوامع مصر؟
الضابط: مش احنا.. احنا كنا مسيطرين كويس اوي.. صاحبك هو ايلي فضل يكون لوحده وهو بغباوته يتحمل كل ايلي حصل له.. البني ادم الذكي يا مولانا يعرف مصلحته فين ويدور عليها ويخاف على روحه أوي علشان ساعة الجد نقدر نحميه.
في الثالث من يوليو 2013، كان شيخ الأزهر في نظر هؤلاء ذكيا حيث اختار تزيين منصة إعلان الانقلاب الرسمي. وبمجرد أن لمح في بيان إلى عدم موافقته على الجرائم التي ارتكبت في فض اعتصامي رابعة والنهضة انطلقت الأبواق تعلن خيانته وبدأت المكائد تترصد خطواته ولم يشفع له أن بقي في حضن السلطة محرما لما يراه من مظاهرات ضدها ومحللا الخروج على الحاكم حين يراه في مصلحة "السيد" الجديد. واليوم، مصر في معركة تحتاج إلى تكاثف الجهود بل إلى إلغاء كل البدائل والسير "خرافا" في صفوف تأييد طبيب الفلاسفة ولو كان هو القائل "ايلي ميرضيش ربنا احنا حنبقى موجودين معاه بندعمه.. بنأيده". ليس في الأمر من تناقض فالسيسي ارتفع في نظر بعض "الشيوخ" لمراتب الأنبياء وما على البقية إلا اتباع سنن وتعاليم "الدين الجديد".
داخل استوديو البرنامج التلفزيوني للشيخ حاتم.
أنور: فين الأخت ايلي كان عندها سؤال لمولانا تتفضل.
الفتاة: السلام عليكم. أنا طبعا متابعة مولانا وسمعته أكثر من مرة بيقول أننا غير مأمورين بأن نقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يفعل وده في حد ذاته إنكار للسنة ايلي هي تفسير للقرآن وشرح للدين وكمان تأكيد على منهج المعتزلة ايلي كفروا كثير أوي من علماء السلف. أتمنى ترد بسعة صدر لأنني سمعت من فضيلتك الكلام ده بنفسي.
الشيخ حاتم: سؤال ممتاز.. انت اسمك ايه؟
الفتاة: أنا اسمي نشوى.
الشيخ حاتم: بغض النظر بقا انت سمعتي مني الكلام ده فين وايمتا لكن مش مهم.. شوفي يا نشوى، ربنا سبحانه وتعالى بيقول لنا ايه؟ لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر. نقوم احنا بقا نسأل نفسنا سؤال: هل كل ما يفعل الرسول لازم نعملوا كده؟ بالملي يعني؟ ولا ايلي قالنا نعملوا بس؟
نشوى: بس يا مولانا ...
الشيخ حاتم: لأ.. استهدي بالله يا ست نشوى. علماء السلف الصالح قسموا الأعمال النبوية لثلاث حاجات: الوجوب والندب والإباحة. وطبعا يا شباب، الرسول الكريم ما كان يفعل إلا خيرا وحلالا لكنه صلى الله عليه وسلم كان متجوز تسعة على أعراف عصره وظروف رسالته نقوم احنا بقا نتأسى به في ده ونتجوز تسعة؟ ينفع؟؟ الرسول عليه الصلاة والسلام كان بيحارب بالسيف والرمح، نقوم احنا بقا نسيب الحرب الإلكترونية ونحارب بالسيف والرمح علشان نتأسى به.. ينفع؟ ينفع؟؟
الجمهور: لأ لأ..
وانطلق الشيخ حاتم يعدد في الأمثلة أمام موافقة الجمهور قبل أن يختم بالحديث: أنتم أعلم بأمور دنياكم.
تلك كانت نشوى التي دخلت حياة الشيخ المفتون بوضعه الاعتباري الجديد، وذاك جزء من خطاب "التجديد الديني" الذي اتخذه السيسي مطية لتقديم آيات الولاء للنظام العالمي في حربه على "الإرهاب" لعله يكون شفيعا للحصول على شرعية مفتقدة هي عقدته منذ الانقلاب. هذا ما يريده عبد الفتاح السيسي بالضبط: أن تتحرر تشريعاته من كل القيود الشرعية بعد أن تحررت من أية معارضة سياسية ترهيبا وترغيبا. والأهم أن يفقد الناس الثقة في الدعاة والشيوخ والمتحدثين باسم الدين بل في الرواة الثقات وفي كتبهم.
دعوته لرفض الطلاق الشفهي، بما يحمله من رغبة في صون الأسرة المصرية في الظاهر، مقدمة لتشريعات أخرى قادمة. فمن يتمكن من ضرب وإفساد منظومة بناء الأسرة وتشريعاتها المرتبطة، إلى الآن، بالنص القرآني والأحاديث النبوية لن يعجزه شيء في الدخول في مناطق أقل اعتبارا. والبداية في تسطيح وتمييع الخطاب الديني وحملته بلسانهم وطرد المعارضين للتوجه الجديد خارج دائرة الضوء كما فعل مع كثير من الساسة والإعلاميين.
يقيم رجل الأعمال خالد أبو حديد حفلا "دينيا" جمع فيه فقهاء من مختلف المشارب والشيع والمذاهب.
خالد أبو حديد: أهلا وسهلا بشيخنا وتاج راسنا ايلي مشرفنا.. أهلا بنجم النجوم.
الشيخ حاتم: مش سامع حس حد من المعازيم يعني.. هما ماتوا ولا ايه؟
خالد أبو حديد: لأ.. أصلهم بدأوا ياكلوا.. معلش مكنتش أقدر أسيبهم أكثر من كده وانت عارف بقا يا مولانا المشايخ بيبدأوا التركيز حين تفتح الموائد.
وبعد حديث عن تحالف المال والسلطة والدين وصراع الشيوخ أمام الملأ دون خجل ولا احترام لمقامهم "العلمي" يطلب رجل الأعمال من الشيخ سرور أن يصدح بالتواشيح.
خالد أبو حديد: يالله يا شيخ سرور سمعنا كده حاجة نهضم بيها الأكل بدل الكلام التقيل ده.
لا يختلف رجل الأعمال خالد أبو حديد عن المعلم حنتيتة من فيلم (لي لي – 2001) للمخرج مروان حامد، ولا الشيخ سرور وبقية المشايخ عن إمام المسجد الشيخ عبد العال في نفس الفيلم، فهم يتحدثون من الدين بما يوافق هوى السلطة رسمية كانت أو مالية أو مجتمعية بل إنهم يتحولون إلى مجرد أبواق تردد التواشيح إرضاء لجمهور "عاوز كده" حتى أن الفكرة استهوت شعبولا فبادر إلى قراءة القرآن بطريقته التي لم يكن ينقصها غير لازمته: ايييييييييييه بين آية وأخرى.
الشيخ حاتم لخص الموضوع في حديثه مع نادر، وهو يستحم في غرفة تبديل الملابس، بعد مباراة شارك فيها وجمعت علية القوم وأولهم كان ابن الرئيس.
الشيخ حاتم: يا أخي الواحد متعود على مركز شباب زينهم.. أول مرة أشوف مركز شباب المليونيرات ده.
نادر: مليونيرات ايه بس يا شيخنا.. قل مليارديرات.. أنت عارف أن أقل واحد منهم قاعد له على اثنين ثلاثة مليار ويمكن يكون كمان دولار.
الشيخ حاتم: مليار صلاة على النبي. واحنا ننق ليه؟ أنا شخصيا كسبت من الشغلانة أكثر من البخاري ومسلم والقرطبي وابن كثير..
عندما تتحول الدعوة إلى مجرد "شغلانة" فالأولى أن يتصدى لها تجار دين يجمعون بين الحسنيين: رضا الانقلابي والانتماء الأزهري ولو بالاسم ليس إلا. أما الطلاق وإن كان أبغض الحلال عند الله فالسيسي مصر عليه ويريده "خلعا" بلا كلفة سياسية على ما يبدو.