لم تكن قصة النجاح القضائي لمسجد فينسبري بارك بلندن ضد شركة "تومسون رويترز" حدثا عابرا لرواد المسجد وإدارته وعموم المسلمين في بريطانيا، فهي تمثل انتصارا لقضية ومبدأ طالما حرص المسلمون هناك على تأكيده وتثبيته وهو نفي مبدأ التصاق صفة الإرهاب وتمويله ودعمه بالمسلمين.
الحكم القضائي الذي أدان "تومسون رويترز"، ودفعها للاعتذار والتعويض عن تهمة وسم المسجد بالإرهاب، وجه رسائل مباشرة لها ما بعدها كان المسلمون ببريطانيا وعموم أوروبا بأمس الحاجة لها في ظل حملات التشويه المتتابعة.
ويرى مراقبون في الحكم القضائي وما تبعه من اعتذار رسمي ومخاطبات لمؤسسات وبنوك وجهات رسمية، تصحيحا لمسار وإعادة لصورة طالما اجتهد مسلمو بريطانيا على تأكيدها، وهي إصرارهم على مبدأ التعايش والنظرة الإيجابية التصالحية مع عموم شرائح وديانات المجتمع.
عن ذلك أكد محمد كزبر مدير المسجد لـ"
عربي21" بالقول: "رواد المسجد والجالية المسلمة جهدت خلال السنوات الماضية لتعزيز صورة المسجد وجعله مركزا للتعايش بين الأديان وبناء الجسور بين الجالية المسلمة والمجتمع البريطاني".
ولم ينس كزبر في حديثه الإشادة بوقوف الجالية المسلمة خلف المسجد، مطالبا المؤسسات والشخصيات المسلمة التي صنفت من قبل "شركة رويترز" أن تأخذ خطوات مماثلة للدفاع عن نفسها وجاليتها..
إقرأ أيضا : مسجد بلندن يكسب دعوى قضائية وتعويضا بعد اتهام "بالإرهاب"
وكشف أن شركة رويترز المالية أصدرت بيانا بعد صدور الحكم النهائي اعتذرت فيه من المسجد وعدلت جميع البيانات المتعلقة به، إلى جانب رفع اسمه من لائحة الاٍرهاب ودفع كل ما ترتب من تعويضات وأتعاب محاماة، فضلا عن إرسال رسالة لكل البنوك والمؤسسات التي اطلعت على بيانات المسجد لإبلاغها بما تم الاتفاق عليه.
إقرأ أيضا : استطلاع: مسلمو بريطانيا لا يتعاطفون مع منفذي هجمات باريس
من جهته قال محامي المسجد الدكتور فاروق باجوا، لـ"
عربي21" إن فوز المسجد فتح الباب للعديد من المؤسسات الإسلامية الموجودة على لائحة الاٍرهاب بغير حق في بيانات "تومسن رويترز"، أن ترفع دعاوى قضائية ضدها ما سيضعف من موقف الشركة أمام زبائنها ويؤثر بالضرورة على موقعها وسمعتها.
ملابسات القضية
وتعود ملابسات القضية إلى شركة "وورلد تشيك" وهي شركة خاصة جرى تأسيسها عام 2002 من قبل رجل أعمال جنوب أفريقي يدعى ديفيد ليبان، وتم شراؤها في العام 2006 من قبل شركة "تومسون رويترز"، وتقوم الشركة بإعداد قوائم وقواعد بيانات تحتوي على مواطنين ومؤسسات من جميع أنحاء العالم.
وتحتوي القائمة حاليا على ما يقرب من ثلاثة ملايين فرد ومؤسسة، يتم تصنيفهم على أساس كونهم إما "إرهابيين أو أصحاب مناصب أو ذوي علاقات سياسية أو غيرها"، مع الإشارة إلى أن التصنيفات تتغير أو تضاف تصنيفات أخرى عليها.
إقرأ أيضا : واشنطن بوست: مسلمو بريطانيا لا يصلون إلى الوظائف العليا
وتستخدم القوائم مجمل المؤسسات المالية ومؤسسات الأعمال في العالم وكذا مؤسسات رسمية أمنية عالمية، وذلك عبر دفع رسوم اشتراكات، مستفيدة من البيانات المتوفرة لتقييم وملاحقة ومتابعة العملاء الجدد، أو إغلاق الحسابات أو غيرها.
وتستفيد من القائمة كذلك المؤسسات الأمنية العالمية وإدارات الجوازات وغيرها من المؤسسات التي تحتاج لتقييم عملاء أو أفراد أو مؤسسات جدد أو مستثمرين لأغراض مالية أو أمنية.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسات التي تستخدم قواعد البيانات هذه يشترط عليها عدم الإفصاح عن ذلك أو الإشارة له في أي إجراءات تتخذ تجاه أي عميل أو فرد أو مؤسسة.
ويكمن الإشكال الأبرز بحسب محللين في التفتيش عن الشركة وعن القضية المشار لها أعلاه من قبل المشتركين في الخدمة، فالبنسبة للمعلومات التي تدرج حول الأفراد والمؤسسات، فإن المؤسسة لا تعتمد بالضرورة على قوائم وتصنيفات رسمية لذلك، وإنما تصنيفات بحسب رأي المؤسسة، ما يؤثر على شؤون الأفراد والمؤسسات في جميع أنحاء العالم، دون ضرورة وجود تهم أو إجراءات رسمية بحقهم فعلا.