سياسة عربية

نشطاء وباحثون يعلقون على هجمات تنظيم الدولة الخارجية

هجوم نيس لتنظيم الدولة في فرنسا- أرشيفية
هجوم نيس لتنظيم الدولة في فرنسا- أرشيفية
تبنى تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم على ملهى ليلي شهير في مدينة "إسطنبول"، فجر اليوم الأول من الشهر الجاري، والذي أسفر عن مقتل 39 شخصا، معظمهم من العرب بحسب تقارير صحفية متداولة.

وقال التنظيم في بيانه: "استمرارا في العمليات المباركة التي تخوضها دولة الإسلام ضد حامية الصليب تركيا، دك جندي من جنود الخلافة الأبطال أحد أشهر الملاهي الليلية التي يحتفل فيها النصارى بعيدهم الشركي".

وأعلن التنظيم في وقت سابق مسؤوليته عن هجوم الكرك، جنوب الأردن، والذي قام فيه أربعة من مقاتليه بمهاجمة "الأمن الأردني ورعايا دول التحالف الصليبي" على حد عبارة البيان، والذي أسفر عن مقتلهم، كما أسفر عن مقتل رجال أمن أردنيين، ومدنيين، وسائحة كندية.

تكاثرت في الأشهر الأخيرة عمليات تنظيم الدولة الخارجية، المستهدفة لدول عربية وإسلامية وأجنبية، والتي تأتي في سياق "تكثيف الهجمات على الدول المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة التنظيم"، وفقا لبيانات التنظيم.

كيف يقرأ الباحثون والمحللون جدوى عمليات التنظيم الخارجية وتداعياتها؟ وما هي أهداف التنظيم من وراء استهداف الدول العربية والإسلامية؟ وهل تخدم التنظيم أم إنها تخدم الدول المستهدفة باستفزازها لمزيد الحشد والتعبئة لمقاتلة التنظيم؟.

التنظيم لا يتمدد إلا في الفوضى

من جهته رأى الباحث السياسي الأردني، خالد عبد الهادي أن "تنظيم الدولة يتمدد في الفراغ، حيث لا دولة ولا سلطة، لهذا فإنه لا أمل له في التمدد في الأردن أو تركيا أو السعودية، حيث إن قبضة الدولة ممسكة بزمام الأمور، على عكس ليبيا".

ولفت عبد الهادي في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "الولايات المتحدة الأمريكية نفسها متهمة بأنها من ساعد على تمدد التنظيم، ليس بمعنى التمويل والدعم المباشر، بل عن طريق إيجاد الظروف التي سهلت له الخروج للعلن".

وتابع: "فسقوط الدولة في العراق مع تسريح الجيش وغيره من المؤسسات، وإصرار بريمر على التعامل مع مكونات المجتمع العراقي كل على حدة؛ شيعة وسنة وأكراد (ما أدّى لتعميق الفرز الطائفي والعرقي)، وفشل النظام في دمشق في حل مشاكل داهمته، مع تعامل النخبة في السلطة العراقية مع المناطق السنية وكأنها مناطق محتلة، أوجد بيئات حاضنة للتنظيم".

إذا كان التنظيم لا يتمدد إلا في الفوضى، حيث لا دولة مركزية ولا سلطة قوية، فما جدوى القيام بعمليات خارجية في دول مستقرة وقوية؟

أجاب الباحث الفلسطيني في شؤون الجماعات الإسلامية  والجهادية، أحمد أبو فرحة بأن "العمليات التفجيرية داخل الدول العربية ليست جديدة على عهد تنظيم الدولة، إنما كان يقوم بمثلها تنظيم القاعدة من قبل".

وأضاف لـ"عربي21" أنه "وبغض النظر عن طبيعة مواقف الدول الوظيفية من انخراطها في المنظومة الدولية، وتلبيتها لرغبة الغرب السياسية والعسكرية، فإن القيام بمثل هكذا عمليات يُخسر التنظيمات شعبيتها، وتأتي بنتائج عكسية على الجماعات التي تعد نفسها بمثابة حربة ضد الهيمنة الغربية".

وركزّ أبو فرحة على أن "المعركة يجب أن تكون بين الشعوب المسلمة وبين الغرب، وأن خسارة مواقف هذه الشعوب يصب في مصلحة الغرب"، إضافة إلى أن مثل هذه العمليات قد يزهق أرواح مسلمين أبرياء".

واعتبر أبو فرحة "المعركة بين التنظيمات والجيوش العربية إنهاكا خاسرا المستفيد الأول منه الغرب"، كما أن استهداف الدول العربية يدفع الأنظمة المستبدة للقيام بحملات شعواء ضد الإسلاميين بكافة تياراتهم، وتفتح المجال لها لتصفية حساباتها الداخلية مع شخصيات وحركات قد لا تكون لها صلة بتلك الصراعات.

ودعا أبو فرحة الحركات الإسلامية والجهادية إلى "استثمار اللحظة الراهنة، في فضح الدول الوظيفية، وكشفها أمام شعوبها، والعمل على كسب العقول والقلوب، مع نبذ العمليات التفجيرية داخل الدول العربية والإسلامية لأنها تُزهق أرواحا بريئة، وتأتي بنتائج عكسية على الإسلاميين، وهي من الناحية الاستراتيجية عبثية".

بين توظيف التنظيم ودمويته

في السياق ذاته رأى أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة أم القرى السعودية، الدكتور محمد السعيدي أن "تنظيم الدولة ما هو إلا مجرد آلة تتم برمجتها والتخطيط الكامل لها، وتفتقر تماما إلى الاستراتيجيات التي تمكنها من البقاء".

وأشار السعيدي إلى أن "الإخلال بالأمن وإحداث الفوضى في الدول السنية يخدم المشروع الإيراني التوسعي، ويخدم مشروع الفوضى الخلاقة التغييري في الشرق الأوسط، ويخدم مشروع إفراغ دول الخارطة المزعومة للعدو الصهيوني من سكانها السنة كما حصل في العراق، وكما يحصل اليوم في سوريا، ويخطط له ليحصل في مصر".

وأضاف لـ"عربي21": "أما تواجد التنظيم في ليبيا فيخطط لأن يكون منطلق لإحداث الفوضى في مصر والمغرب العربي. وأما في ما يتعلق بالحرب بين التنظيم ودول التحالف، فإنه لا يخفى أن التنظيم هو من بدأ بالعدوان على الدول العربية، ووضعها في خارطته المزعومة، وجعل السعودية ثلاث ولايات، ولاية هجر وولاية نجد، وولاية الحجاز"

واستنادا إلى هذا التقسيم للسعودية، والمتطابق تماما مع الخريطة التي وضعها برنارد لويس فإن السعيدي رأى في ذلك "ما يدعم الصلة بين المخابرات الأمريكية والتنظيم" على حد وصفه.

وفي سياق ذي صلة أرجع الكاتب والباحث المصري، المتخصص في الجماعات الجهادية، الدكتور طارق عبد الحليم استحلال التنظيم لدماء الأبرياء حال قيامه بعمليات تفجيرية، إلى "عقيدة التنظيم التي يحكم من خلالها على المقيمين داخل تلك الدول بالارتداد، لا أن حكوماتهم مرتدة وطاغوتية فقط"، وإلا فإن استهداف عوام المدنيين ممن يفترض فيهم الإسلام أصلا استباحة للدم الحرام وفقا لعبد الحليم.

وحول جدوى تلك العمليات وحكمها الشرعي قال عبد الحليم "لا أرى شخصيا جواز تلك العمليات، ولا أرى مستفيدا منها إلا الأنظمة ذاتها التي يقال أنها هي المستهدفة".

وردا على سؤال "عربي21"، "كيف ينظر إلى فكر تنظيم الدولة الإسلامية ومدى انعكاساته السلبية على الإسلام والحركات الإسلامية؟"، فقد بيّن عبد الحليم أن "الفكر الحروري (نسبة للخوارج) في غاية الخطورة على الدعوة الإسلامية، وقد كان فكر الخوارج دائما مدمرا للإسلام والمسلمين من حيث ترويجه للقتل، واستباحة المال والعرض بين المسلمين".

وأضاف: "لقد أدّى هذا إلى إحداث انقسام القوة الإسلامية، وتكالب قوى العالم على المسلمين وإحداث تلك الهجمة الشعواء عليهم في بلادهم وبلاد المهجر، فهذا الفكر التكفيري بلاء على الأمة بلا جدال، وتضييع لجهد الدعوة والدعاة".

أعمال عبثية وغبية

من جهته رأى الكاتب والباحث الفلسطيني، أحمد أبو ارتيمة أن "السمة الغالبة لهجمات التنظيم خاصة في المناطق البعيدة عن ميدان الالتحام المباشر تتصف غالبا بالعبثية واللا معنى، وأنها عمليات غير مؤثرة على الأنظمة التي يرفع التنظيم راية محاربتها، بل يظهر أن العكس هو الصحيح".

ووفقا للباحث الفلسطيني فإن "تلك العمليات العبثية تخدم الأنظمة المستهدفة، وتمنحها الشرعية التي تستفيد منها في الابتعاد عن استحقاقات الديمقراطية كونها في حالة مواجهة مع الإرهاب".

أما تفسيره لعمليات التنظيم الخارجية، فأشار أبو ارتيمة إلى فرضيتين: "إما الغباء أو الاختراق الأمني، فإذا ما تجاوزنا واتفقنا مع التنظيم في جزء من مظلوميته، وحقه المبدئي في مواجهة الدول التي تحاربه فإن مثل هذه العمليات العشوائية التي ينفذها للتعبير عن غضبه يشبه الرجل الذي يريد الانتقام من ظلم الحكومة بمعاقبة أطفاله".

وأضاف: "إن كنت لا بد مواجها فلتضرب في أماكن حيوية وحساسة تثخن في أعدائك الذين تواجههم وتدفعهم للتفكير الجاد في مراجعة سياساتهم إذ إن العبرة في العمل السياسي بالنتائج والمآلات، فهل أدّت عمليات التنظيم إلى دفع الأنظمة المستهدفة إلى مراجعات، أم إنها على العكس من ذلك منحت هذه الأنظمة شرعية وقوة سياسية؟".

أما الفرضية الثانية فهي وفقا لأبي ارتيمة أن "داعش مخترق أمنيا من قبل أجهزة المخابرات الإقليمية والعالمية لتوجيه عواطف الشباب بأحلامهم الجهادية التي تداعب مخيلاتهم، بما يخدم أجندة تلك المخابرات، ولأننا نتحدث في شأن عام فلا بد من استبعاد فرضية البراءة ما دامت الأعمال تنتهي دوما ضد مصالحنا، فالعمل الجهادي ليس فشة غل، ولا ردة فعل اندفاعية، إنما هو منهج مدروس يقوم ويقيّم وفق نتائجه السياسية".
التعليقات (0)