سياسة عربية

أين اختفت أحزاب الثورة المصرية بعد 6 سنوات من النضال؟

أحزاب مصرية ظهرت بعد الثورة- أرشيفية
أحزاب مصرية ظهرت بعد الثورة- أرشيفية
لم تنجح في الوصول إلى مقاعد البرلمان المصري، المسار السياسي المتوج للعمل الحزبي بمصر، إلا خمسة أحزاب من أصل 24 تأسست من رحم ثورة كانون الثاني/يناير 2011، التي تحل ذكراها السادسة، الأربعاء، وهو تراجع أعاده خبراء لأسباب بينها الحل والخلافات الداخلية، وقلة الخبرة وعدم التواصل المباشر مع الشارع، في وقت يستعد فيه المصريين لإحياء ذكرى 25 يناير.

الأحزاب الخمسة وهي "المصريين الأحرار (ليبرالي)، والمصري الديمقراطي (يسار وسط)، وحراس الثورة (قومي)، والإصلاح والتنمية (ليبرالي)، والنور (سلفي)"، حظيت بتمثيل في البرلمان الذي انعقدت أولى جلساته في كانون الثاني/يناير 2015، ووُصفت من مراقبين بأن أغلبها يضم كثيرا من أنصار الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي أسقطته ثورة يناير.

لكن "أحزاب يناير" تلك لم تتعد نسبة تمثيلها 35.5 بالمائة من إجمالي المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب والمقدرة بـ239 بنحو 43 بالمائة من أصل المقاعد الإجمالية الموزعة على 19 حزبا، فيما حصل المستقلون على 316 مقعدا بنحو 57 بالمائة من إجمالي مقاعد البرلمان الحالي البالغة 596.

أما في برلمان 2012 الذي شارك فيه 24 حزبا محسوبا على الثورة، في مقدمتها "الحرية والعدالة" (الذراع السياسية لجماعة الإخوان) و"الكرامة" (اليساري)، وأحزاب الكتلة المصرية (تحالف ليبرالي)، فحصدوا 78 بالمائة من مقاعد البرلمان البالغة حينذاك 498 مقعدا.

وقالت دراسة صادرة عن لجنة شؤون الأحزاب المصرية (قضائية) في 28 أيلول/سبتمبر 2011، تحت عنوان "خريطة الأحزاب السياسية الحالية" إن عدد الأحزاب الرسمية 47، منها 23 تم تأسيسها قبل الثورة و24 بعدها.

وتأسست 9 أحزاب مصرية في أعوام 2013، و2014 و2015، بينهم حزب مستقبل وطن والحركة الوطنية الذي أسسه أحمد شفيق مرشح الرئاسة السابق المقيم خارج البلاد حاليا.

لكن هذه الأحزاب جميعها محسوبة على ما يعرف في البلاد بـ"ثورة 30 يونيو" (حزيران 2013) التي أطاحت بمحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في ما يعده أنصاره "انقلابا عسكريا" وتعتبره قطاعات من المصريين استجابة من الجيش لرغبة شعبية بإزاحة جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة.

حزب قضى نحبه وأخرى تنتظر

ووفق رصد مراسل الأناضول، فإن حزبا وحيدا تأسس عقب "ثورة يناير" قضى نحبه فعليا، مع صدور حكم بحل حزب "الحرية والعدالة" (صاحب الأكثرية في برلمان 2011)، في التاسع من آب/أغسطس 2014، ولا تزال بقية الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية تنتظر ربما مصيرا مشابها.

وحددت محكمة مجلس الدولة (القضاء الإداري في مصر) 18 شباط/فبراير المقبل موعدا لنظر دعوى حل الأحزاب المنضوية في "تحالف دعم الشرعية"، المؤيدة لمرسي، وهي البناء والتنمية، والعمل الجديد، و"الفضيلة والإصلاح"، والتوحيد العربي، والوطن، والوسط، والحزب الإسلامي، والراية، والعمل، وجميعها ذات مرجعية إسلامية.

بالمثل ينتظر حزب النور (سلفي) النظر في دعوى حله بجلسة 25 شباط/فبراير المقبل، ليس هذا فحسب، بل تراجعت نسبة حضور الحزب من 112 مقعدا بمجلس الشعب 2012، إلى 12 مقعدا فقط بالبرلمان الحالي.

الخلافات تأكل ما تبقى

لم يتوقف الأمر عند دعاوى الحل فضربت الخلافات معظم ما تبقى من "أحزاب الثورة"، وتعرض حزب "المصريين الأحرار" (ليبرالي) الذي أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس، في أبريل /نيسان 2011، وحصل على 65 مقعدا كأعلى تمثيل حزبي بالبرلمان الحالي لموجة انقسام هو الآخر في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

واتهم الحزب وقتها بالاعتماد على مرشحين محسوبين على نظام ما قبل الثورة، وعلى رأسهم رئيس كتلته البرلمانية علاء عابد، ضابط الشرطة السابق، الذي اتهم في جرائم تعذيب قبل الثورة، إلا أنه ينفي التهم.

التقدم الذي حققه الحزب واكبته خلافات تنظيمية بين ساويرس، الذي شغل موقع رئيس مجلس أمناء الحزب (أعلى هيئة تنظيمية) ورئيس الحزب عصام خليل الذي حسم الأمر لصالحه، وخرج ساويرس مؤخرا من القيادة عقب إجراءات تنظيمية داخلية أطاحت بمجلس الأمناء.

كذلك تعرض حزب "المصري الاجتماعي الديمقراطي"، الذي تشكل بتحالف من قوى يسارية وليبرالية، بعد ثورة 2011، لسلسة أزمات انتهت باستقالة مؤسسه، محمد أبو الغار، بعدما اعترف بعجزه عن "رأب الصدع" و"تفكيك الشللية بين الأعضاء"، بحسب خطاب استقالته في أيلول/سبتمبر الماضي.

بالمثل، تعرضت أحزاب "العدل" (ليبرالي) و"مصر الحرية" (ليبرالي)، و"الدستور" (يسار وسط)، لأزمات داخلية مماثلة أبرزها، ما تعرض له الأخير الذي أسسه محمد البرادعي نائب الرئيس المصري السابق، بشغور منصب الرئيس عقب استقالة، خليفة البرادعي، هالة شكر الله، ثم القائم بأعمالها تامر جمعة، لـ"فشله في إجراء الانتخابات الداخلية للحزب".

وآل الأمر بالحزب الذي تكونت قاعدته الشعبية من شباب الثورة، لتحديد موعدين لانتخاباته الداخلية، الأول في 10 شباط/فبراير المقبل، والثاني في 31 آذار/مارس الذي يليه، من قبل جبهات داخلية متصارعة.

أسباب التراجع


وأرجع مسؤولون حزبيون وأكاديمي، تحدثت معهم الأناضول بشكل منفصل، تراجع أحزاب الثورة، إلى أسباب عديدة منها "قلة الخبرة، وإغلاق المجال السياسي، وعدم تواصل الأحزاب مع الشارع، وانحسار الموجة الثورية".

وعلق محمد المهندس، نائب رئيس حزب مصر القوية (معارض/إسلامي)، على أوضاع الأحزاب السياسية المحسوبة على ثورة يناير، بقوله إن السبب هو "قلة الخبرة".

وأوضح أن الوضع بعد 3 تموز/يوليو 2013 (تاريخ عزل مرسي) تغير "وتسبب إغلاق المجال العام في تراجع الأحزاب، بعدما قتلت السياسية بفعل فاعل".

واتفق معه محمد يوسف، المتحدث باسم حزب الدستور (يسار وسط) قائلا إن "غالبية الأحزاب كانت ناشئة، إضافة للمناخ السياسي العام، وعدم وجود بيئة سياسية تسمح بالتعددية الحزبية".

كذلك أيد محمد موسي، القيادي بحزب العدل، (ليبرالي)، رأيي سابقيه بأن سبب تراجع حزبه، هو "حداثة تواجده بالشارع المصري، إضافة للإرث القديم الذي ورثته القوى السياسية المصرية، بغياب دام 40 عاما".

وأضاف أن "الأحزاب التي تواجدت قبل الثورة هي الأخرى لم تنجح، ولم يرث المصريون أي خبرات حزبية حقيقة".

الصراعات الداخلية

السبب الثاني في التراجع هو "انشغال غالبية الأحزاب بصراعات فوقية، أو انقسامها لجبهات داخلية"، بحسب قول محمد المهندس القيادي بحزب مصر القوية.

بينما وصف محمد يوسف متحدث حزب الدستور الانشقاقات الداخلية بأنها "مصيبة كبري ابتليت بها الأحزاب جعلتها منقسمة جميعها لجبهات تصارعت فيمات بينها".

وأرجع يوسف ذلك إلى أن "كل الأحزاب تقريبا كانت تعمل بدون خط واضح، فضلا عن أن الموارد المالية للأحزاب لم تتم إدارتها بشكل جيد".

هجوم الإعلام

وأضاف محمد موسي، القيادي بحزب العدل، سببا جديدا لتراجع أحزاب يناير هو "شن الإعلام المحلي المؤيد للنظام هجوما كبيرا على الأحزاب عامة".

من جانبه، اعتبر متحدث حزب الدستور أن هذا الهجوم "تنكيل من السلطة السياسية بقيادات بعض الأحزاب المحسوبة على ثورة يناير، عبر حملات تشويه موسعة شملت اتهامهم بالخيانة والبعد عن الصف الوطني".

الأكاديمي مصطفي كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة (كبرى الجامعات الحكومية) أرجع فشل الأحزاب المحسوبة على الثورة إلى "اعتماد القائمين عليها على شبكات التواصل الاجتماعي في الحشد لأحزابهم، كما حدث في الثورة نفسها".

وقال إن الحشد للثورة من خلال "فيسبوك" و"تويتر" كان مناسبا وقت الثورة "لكن الدعوات نفسها لم تنجح في إقامة أحزاب، إضافة إلى أن الكوادر الحزبية التي دشنت هذه الكيانات، لم يكن لديها أي من مهارات التنظيم، التي تمكنهم من المواصلة الشعبية".

وأوضح أن "الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها تجاهلت مطالب المواطنين، ورفعت شعارات لا تهم رجل الشارع بشكل أساسي لذا عزف الناس عنها".

واتفق معه حسين عبد الرزاق، نائب رئيس حزب التجمع (يسار)، وهو أحد أقدم الأحزاب بمصر، قائلا: "لم تستطع الأحزاب بعد الثورة النزول لأماكن العمل، والجامعات أو أي تجمع بشري للتواصل مع الناس، وأصبح الاتصال بينهم وبين المواطنين قاصرا على الاتصال الفردي، وهذا ليس موجودا في عمل حزبي بأية دولة في العالم".

الصراعات الانتخابية

محمد موسى، القيادي بحزب العدل، (ليبرالي) رأى أن سبب تراجع حزبه أيضا، يعود "للصراعات السياسية التي دخلتها الأحزاب مبكرا، والتي تسببت في إخفاق الجميع"، فخاض حزبهم الانتخابات البرلمانية في 2012 عقب 4 أشهر فقط من تأسيسه، ولم يحصل إلا على كرسي وحيد بالبرلمان، إلا أنه حصل على مجموع 450 ألف صوت على القوائم.

وتابع: "بعدها دخلت الأحزاب في صراعات أشد في انتخابات الرئاسة 2012، والجمعية التأسيسية للدستور، وأحداث 30 حزيران/يونيو، 2013 كل هذه العوامل ساهمت في إهلاك الأحزاب لمواردها الاقتصادية والاجتماعية".

وضرب موسى مثالا بحزب المصري الديمقراطي الذي أسسه محمد أبو الغار، "ففي الانتخابات البرلمانية 2012 حصل على 21 مقعدا برلمانيا، بينما في انتخابات 2014 حصل على 4 مقاعد فقط"، مشيرا إلى أن "هذا التراجع الكبير كان سببه قلة الخبرة، وعدم وجود بيئة سياسية صحية، والقانون الانتخابي الذي حرم الأحزاب من ممارسة سياسية حقيقة".

وأقرت السلطة التنفيذية (كان معها حق التشريع آنذاك) في 21 مايو/أيار 2014 قانونا للانتخابات البرلمانية بنظام القوائم المطلقة (تعطي الفائز بنسبة 51 بالمائة من أصوات الناخبين إجمالي المقاعد المحددة للدائرة ويخسر المنافسون)، وألغت ما كان معمولا به في الانتخابات التي أعقبت الثورة بنظام القوائم النسبية التي تتيح للأحزاب المنافسة (تمنح المتنافسين مقاعد بحسب عدد الأصوات الحاصل عليها كل منهم حسب نسبته).

انحسار الموجة الثورية

لكن زهدي الشامي، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي (يسار) اعتبر أن الأحزاب السياسية بمصر "تراجعت مع انحسار الموجة الثورية"، وغلبة ما سماها بـ"قوى الثورة المضادة"، وسيطرتها على المشهد، "إضافة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي أبعدت الناس عن السياسة".

وأشار إلى أن أسباب التراجع "هي نفسها أسباب إخفاق الثورة عموما، كغياب التنظيم، وعدم الالتصاق بالجماهير، إضافة للأوضاع الإقليمية".

ما يحدث لأحزاب يناير ليس نهاية المطاف، وفق الشامي، الذي تفاءل بعودتها قريبا وهو ما يحتاج وفق مسؤولين حزبيين اثنين إلى تشكيل جبهة جديدة وإجراء نقد ذاتي.

ورأى محمد المهندس القيادي بحزب مصر القوية، أن "الفرصة الوحيدة للأحزاب المؤمنة بالثورة للعودة هي تشكيل جبهة كبيرة موحدة لكل المضارين من الوضع الحالي، وإلا سيظل نشاطهم معلقا لحين حدوث انفراجة سياسية".

وأضاف السياسي المصري، محمد يوسف، أن "أحزاب يناير بحاجة لعملية نقد ذاتي للعودة للحياة مرة أخرى"، قائلا: "كل الفصائل السياسية بمصر فشلت في عملية النقد الذاتي".

وأطاحت ثورة كانون الثاني/يناير 2011، بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي كان يحكم البلاد لنحو 30 عاما، عبر حزبه المعروف باسم الحزب الوطني الديمقراطي الذي تم حله قضائيا عقب الثورة وتوزعت رموزه وقياداته على عدة أحزاب فيما انزوى بعضها.
التعليقات (1)
مصري
الثلاثاء، 24-01-2017 08:46 ص
أي نبات لكي ينبت وينمو لابد له من بيئه ولو كانت حتي فقيره ، ولكن في حالتنا السياسيه ليس هناك أي بيئه تسمح من خلالها بمجرد النشوء أو التكوين وعليه فأي كيان سياسي الأن ليس له من الأمر سوي العنوان الظاهر علي مقرة كأثر باقي من أثار ثورة يناير .