مقالات مختارة

حلب وصراع الخنادق الطائفية

يحيى الكبيسي
1300x600
1300x600
منذ بداية الثورة السورية في العام 2011، اختلف الموقف العراقي تجاهها، تبعا لطبيعة الصراع الذي يحكم النخب السياسية العراقية منذ لحظة الاحتلال الأمريكي حيث غاب منطق الدولة، وتحكمت الروايات المختلفة للجماعات العراقية المنقسمة، وتأويلاتها، في تحديد موقف كل منهم.

وقد عجزت هذه النخب السياسية عن إنتاج خطاب للدولة يتجاوز انقساماتها وتأويلات الذاكرة تلك؛ لذلك تقاطع موقف رئيس مجلس الوزراء (الشيعي) مع موقف رئيس مجلس النواب (السني)،في المسألة السورية، بل إننا نجد هذا التقاطع في موقف الكرد أيضا وبين الحزبين الحاكمين، وذلك بسبب اختلاف العلاقة التي تربطهما بالنظام السوري كلا على حدة العلاقة، فقد دعم مسعود بارزاني الثورة السورية بشكل واضح، مقابل صمت رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني بسبب علاقاته التاريخية بالنظام السوري من جهة، وعلاقاته التاريخية بالجانب الإيراني من جهة أخرى. 

لقد مثل المتغير السوري، بعد الثورة، عاملا مضافا في الأزمة التي يعيشها العراق منذ لحظة الاحتلال؛ فحالة الانقسام المجتمعي الحاد، ومنطق الصراع الذي ما زال يحكم المعادلة السياسية، وعجز النظام السياسي عن إشراك القوى السياسية الممثلة للمكونات الاجتماعية والدينية والأثنية والمذهبية في صناعة القرار السياسي، ومن ثم تحقيق الشراكة في السلطة، جعل الجميع يوقن أن نتائج الأزمة السورية سيكون لها تأثير حاسم في علاقات القوة على الأرض. 

فالكرد، وتحديدا السيد مسعود البارزاني، وجد في نجاح الثورة السورية فرصة تاريخية لتسويق النموذج العراقي بين الكرد السوريين، ومن ثم منازعة النموذج الكردي لحزب العمال الكردستاني المهيمن تقليديا. مع كل ما يترتب على هذا من تغيير في الجغرافية السياسية للمنطقة عموما. 

والسنة العرب وجدوا في نجاح الثورة السورية فرصة تاريخية أيضا لتغيير المعادلة الإقليمية ككل، باتجاه حكم سني في سوريا يوازن الهيمنة الإيرانية في الشرق من جهة، ويعيد صياغة علاقات القوة بين الشيعة والسنة داخليا. 

والشيعة يرون في نجاح الثورة السورية تحديا مباشرا لهيمنتهم على الحكم في العراق من جهة، وتعزيزا لوضع السنة من خلال حليف يشتركون معه في حدود تبلغ مئات الكيلومترات، حيث يمكن له أن يكون مصدرا للإمداد من جهة، وساحة دعم لوجستية خلفية من جهة أخرى. 

وقبل انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 ، كانت النخب الشيعية بوجه عام تتوجس من النظام السياسي في سوريا؛ لأنها كانت تصنفه هوياتيا على أنه نظام بعثي/ قومي، على الرغم من العداء التاريخي بينه وبين نظام «البعث» العراقي. وقد ساءت العلاقة بين الدولتين في العام 2009 إلى حد سحب السفير العراقي في سوريا بعد اتهام رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الصريح لدمشق بانها تقف وراء تفجيرات وزارة الخارجية العراقية ، بل وصل الأمر إلى مطالبة مجلس الأمن «بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين خططوا ونفذوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد المدنيين العراقيين على غرار المحاكم الجنائية الدولية التي شكلت في أكثر من منطقة في العالم» (قرار مجلس الوزراء العراقي في جلسته رقم 31 في 25/8/2009)! 

أما النخب السنية، فكانت تصنف النظام السوري على أنه نظام قومي/ عروبي، لا سيما بعد مواقفه تجاه الاحتلال الأمريكي، حيث استقبلت سوريا عشرات الآلاف من البعثيين والعسكريين العراقيين الهاربين من قوات الاحتلال والمليشيات الشيعية. 

لكن الوضع تغير بشكل جذري بعد انطلاق الثورة السورية، فقد أعادت النخبة الشيعية تصنيف تراتبية هوية النظام السوري، ليصبح في نظرها نظاما علويا وحليفا استراتيجيا لإيران، لا بد من دعمه لمنع وصول «الأكثرية السنية» إلى الحكم! في مقابل نخبة سنية أعادت هي الأخرى تصنيف تراتبية هوية النظام في سوريا، حيث أصبح نظاما علويا/ حليفا استراتيجيا مع إيران، لا بد من سقوطه من أجل وصول «الأكثرية السنية» إلى الحكم.

وقد استطاعت النخبة السياسية الشيعية الداعمة للنظام السوري المهيمنة على القرار التنفيذي، أن تحتكر بشكل كامل القرار السياسي المتعلق بسوريا، على الرغم من التصريحات الرسمية حول موقف العراق «الحيادي» مما يجري في سوريا. فقد امتنع العراق عن التصويت على قرار مجلس الجامعة العربية رقم 7438 الصادر في 12/11/2011 الذي علق مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية. وتحفظ العراق أيضا على قرار مجلس الجامعة العربية رقم 7442 الصادر في 27/11/2011 ، الخاص بـالعقوبات الاقتصادية ضد سوريا، ثم على الفقرة 10 من قرار مجلس الجامعة العربية رقم 7507 الصادر في 2/6/2012 ؛ التي طالبت مجلس الأمن الدولي باللجوء إلى الفصل السابع من الميثاق فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية ضد سوريا. وتحفظ العراق كذلك على البند الثالث في قرار مجلس الجامعة العربية رقم 7510 الصادر في 22/7/2012 والمتعلق بتنحي الرئيس بشار الأسد عن السلطة في سوريا. 

وأخيرا أعلن العراق «اعتراضه وتحفظه» على منح مقعد سوريا للمعارضة، عادا ذلك «سابقة خطيرة» في تاريخ جامعة الدول العربية، ويتناقض مع ميثاقها، كما عبر عن تحفظه على موضوع تسليح المعارضة بحجة رفضه «عسكرة النزاع» (بيان وزارة الخارجية العراقية بتاريخ 6/3/2013). 

لم يقف دعم الفاعل السياسي الشيعي لنظام بشار الأسد عند حدود الدبلوماسية، والدعم الاقتصادي (زادت نسبة الواردات العراقية من سوريا بعد الثورة بنسبة 6? في العام 2012 «التقرير الاقتصـــادي العربي الموحد لعام 2012»، وتم استثناء البضائع المستوردة من سوريا، فقط، من الخضوع لإجراءات فحص البضائع «قرار مجلس الوزراء رقم 51 في 25/10/2011»)، والدعم اللوجستي، عبر تحويل الأرض والسماء العراقية إلى جسر للتحرك الإيراني باتجاه سوريا! بل وجدناه ينخرط بشكل مباشر في الحرب الأهلية السورية، من خلال السماح للمليشيات العراقية بالقتال في سوريا بشكل صريح (كان أول ظهور لمليشيا لواء أبو الفضل العباس وكتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء في سوريا في حزيران 2013، ثم بدأت تتردد أسماء مليشيات أخرى: لواء ذو الفقار، ولواء الإمام الحسين). 

لقد حظيت المليشيات العراقية التي شاركت في الصراع السوري بتواطؤ صريح من السلطات الرسمية العراقية، على مدى السنوات الماضية؛ فهذه المليشيات كانت تستخدم المطارات العراقية للذهاب إلى سوريا، سواء بشكل مباشر، أو عبر إيران. وكانت جنازات قتلاها تحظى بمراسم توديع عسكرية علنية! وقد دعم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المليشيات المقاتلة في سوريا، وهو الذي عمد إلى إنتاج، أو إعادة إنتاج المليشيات منذ منتصف العام 2012 لأسباب تتعلق برؤيته لطبيعة الصراع الطائفي في المنطقة ككل، تحديدا بعد الثورة السورية، وأخرى تتعلق بالصراع الشيعي الشيعي في العراق، تحديدا بعد اشتراك السيد مقتدى الصدر في محاولة سحب الثقة عنه في أيار/ مايو 2012. 

وقد انفضحت طبيعة هذه العلاقة عندما تم استدعاء هذه المليشيات بعد سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة في حزيران/ يونيو 2014، للقتال في العراق! فمع نهاية صيف 2014، بدا واضحا أن المليشيات العراقية العاملة في سوريا قد عادت بكامل تشكيلاتها ومقاتليها تقريبا إلى العراق لتقاتل ضمن مليشيا الحشد الشعبي! وقد وردت أنباء عن بعض القتلى في صفوف هذه المليشيات في سوريا، فقد أعلنت مليشيا سيد الشهداء على سبيل المثال في بداية عام 2015 على موقعها الرسمي عن سقوط قتيلين لها في منطقة السيدة زينب.

وفي حلب، شاركت مليشيا «حركة النجباء»، وهي مليشيا تمولها ايران، ولها علاقة عضوية بالحرس الثوري الإيراني، عقائديا وتنظيميا، بشكل علني إلى جانب نظام بشار الأسد. ولا يخفي موقع الحركة الرسمي هذه المشاركة، كما لا يخفي طبيعة علاقتها مع إيران! ولكن في الوقت نفسه فان الحكومة العراقية تعد هذه المليشيات جزءا من مليشيا «الحشد الشعبي»، الذي يقول عنه رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي بأنه «مؤسسة رسمية تابعة للدولة»! من دون أن يخبرنا كيف يمكن لقوة رسمية تابعة للدولة العراقية، وممولة منها، أن تقاتل في حلب! 

كاتب عراقي
1
التعليقات (1)
علي أسود
الجمعة، 23-12-2016 08:53 م
عذرا سيد كبيسي : إذا نظرت إلى المشهد السوري و العراقي و اللبناني على أنهم مقاطعات في دولة ولاية الفقيه ستجد أن كل تصرفاتهم متناغمة نظرا للقيادة الواحدة سياسيا و عسكريا و اقتصاديا و اجتماعيا وذلك بسبب التوحد العقائدي الشيعي أثنى عشري و سيمكنك معرفة مستقبل تصرفات تلك الدول و طموح تمددها المعلن عنه وكل قول غير ذلك هو مواجهة النعام للعاصفة