لافتة جدا تلك المناحة الاستجدائية التي خرجت من إيران بالأمس، متوجهة صوب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وداعية إيّاه إلى التحرك لمواجهة قرار الكونغرس تمديد العقوبات ضدها لعشر سنوات إضافية.
اللغة التي استخدمها الرئيس حسن روحاني (الإصلاحي)، تشبه في الإطار العام تلك التي اعتمدها علي لاريجاني، الموصوف بأنه محافظ معتدل ومقرّب من «المرشد» علي خامنئي. وفحوى تلك اللغة غير مألوف في الأجندة التعبوية الإيرانية كما في أدبيات «الثورة»، عدا غرابته في عالم العلاقات الطبيعية بين الدول وقادتها، كما في كلاسيكيات التخاطب الديبلوماسي.
الرئيس روحاني دعا أوباما إلى استخدام حقه في «الفيتو» ضد قرار الكونغرس وعدم المصادقة عليه قبل تسليم مهام منصبه إلى دونالد ترامب.. ولاريجاني ذهب أبعد من ذلك، أي أبعد من طلب فتنة سياسية تامة بين رئيس آفل والسلطة التشريعية الأم في بلاده.. ذهب إلى تقريع ساكن البيت الأبيض (حرفيا) واستفزازه بالمعنى الشخصي المباشر: «هل أصبحت عديم الجدوى بعد الانتخابات الرئاسية (...) أعضاء حزبك لا يهتمون لرأيك ونصف الكونغرس ديموقراطي»!
وشكل هذه اللغة يشي بمضمونها. فهي تدلّ على أن المسؤولين الإيرانيين من طرفي المعادلة القائمة، يشعرون بثقة تامة برئيس أمريكا! إلى حد عدم التوقف أمام احتمالات إحراجه بمطالب واضحة إلى هذا الحد! بل يبدو الأمر وكأنهم يخاطبون «رفيقا» أو «صديقا» يملكون عليه دالة و«مونة»، ويطالبونه بموجبات الرفقة والصداقة وقت الضيق! ولا يترددون في تحريضه على أهل بيته!
ماذا بين الطرفين؟ وما الذي يجعل كبار المسؤولين الإيرانيين يظهرون كل تلك الجرأة، في «ارتكاب» أمرين غير مألوفين: الأول استسهال الخروج من الإرث «الأدبي» العميق الذي بنته «الثورة» منذ أيامها الأولى، ولا يزال حاضرا وإن بخفر على لسان «المرشد» خامنئي، وهو الداعي إلى «عدم الثقة» بالأمريكيين، وإلى «الانتباه» من «مؤامراتهم لسحق الجمهورية من الداخل»! والثاني استسهال دعوة رئيس أمريكا إلى «التصدي» المزدوج للكونغرس أولا ولحزبه ثانيا؟!
والسؤال وارد بالمقلوب: ما الذي «قدمه» مستر أوباما للإيرانيين على مدى سنوات ولايته الثانية، ليجعلهم على ذلك القدر من الرحابة والثقة في مخاطبته؟!
في محاولة الجواب، تحضر «عوارض» المنطقة الممتدة من أفغانستان إلى سوريا مرورا بما بينهما، التي تدلّ في عمومياتها وتفاصيلها على أن ما بين الطرفين الإيراني والأوبامي عميق، إلى حد أن إيران صارت تتشاوف بنفوذها في أربع عواصم عربية، وتتجرأ على دعوة من يريد الأمان في غيرها إلى «التفاهم معها» والتسليم بأولوياتها وقدراتها! والذهاب إلى اعتبار نفسها قوة عُظمى معنية بحماية أمن المحيطات والبحار أينما كانت! بل هي تجرأت مرّة على احتجاز مجموعة من «المارينز» في مياه الخليج العربي وصوّرتهم وكرّمت عناصر بحريتها! من دون أن تتفوّه إدارة أوباما بكلمة احتجاج واحدة؟!
هل تشعر القيادة الإيرانية بأن تلك الأيام آيلة إلى الأفول، وأن ترامب يعد شيئا آخر ومعاكسا تماما، ولذلك خرجت تستجدي بتلك الطريقة الغامضة؟!