اللاجئون مشكلة عالمية سياسية وثقافية في آن واحد، خصوصا وأن عدد اللاجئين في العالم تجاوز 60 مليون نسمة، أكثر من 70% منهم لاجئون من العرب والمسلمين، غالبيتهم ينزحون إلى دول مجاورة أو إلى دول غربية وعلى رأسها أوروبا وأمريكا وأستراليا وكندا؛ مسألة تزيد من عمق تأثير الهواجس الثقافية وتثير المزيد من الحساسيات لدى الدول المستضيفة خصوصا الغربية؛ ما استدعى عقد العديد من القمم والمؤتمرات لمعالجة أزمة اللجوء والهجرة المتفاقمة ومحاولة محاصرتها بدعم دول الجوار والدول المضيفة جنوب المتوسط.
فالأزمة السورية وموجات اللجوء المرتبطة بها حظيت باهتمام كبير عقد لأجلها العديد من المؤتمرات أبرزها مؤتمر لندن وآخرها القمة المنتظرة في نيويورك باستضافة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما؛ وعلى الرغم من الاهتمام الدولي الذي شمل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي ستعقد بدورها مؤتمرا موسعا حول الهجرة؛ فإن أزمة اللجوء والهجرة باتت متفاقمة واشد تهديدا لاستقرار الدول المجاورة والمستضيفة أولا التي تعاني بدورها من أعباء اقتصادية كبيرة وللدول الغربية المنتمية للعالم المتقدم والتي تعاني من أزمة ثقافية وأخلاقية متدحرجة.
إذ بات أمرا اعتياديا ملاحظة التوتر في القارة الأوروبية والعالم الغربي حيال أزمة اللاجئين والمترافق مع صعود اليمين المتطرف في أرجاء العالم الغربي؛ فمواقع التواصل الاجتماعي باتت مزدحمة بحملات التحريض على المهاجرين واللاجئين والعديد من الصور والمشاهد توثق هجمات على المهاجرين خصوصا المسلمين سواء النساء المحجبات أو المساجد والتجمعات السكنية كان آخرها وأبرزها الاشتباكات العنيفة بين شبان من اليمين الألماني المتطرف وعدد من المهاجرين واللاجئين في ألمانيا؛ عاكسة قدرا كبيرا من التوتر الثقافي والاجتماعي الذي لا نجد له صدى في المؤتمرات والقمم الدولية التي تعالج أزمة اللجوء والهجرة الدولية.
أزمة اللجوء تفرض نفسها بقوة على اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، إذ جاءت بعد موجة لجوء غير مسبوقة من العراق وسوريا وأفغانستان إلى القارة الأوروبية؛ إلا أنها ستركز على الجوانب الاقتصادية دون البحث في التداعيات الثقافية المرتبطة بها وبعمليات الاندماج التقليدية والقديمة المتبعة من قبل الدول الغربية؛ التي ترفض الاعتراف بتنامي النزعة اليمينية الفاشية المتطرفة ونمو ثقافة الإقصاء وبناء الجدران على الحدود.
ظاهرة نجد صداها وتأثيرها في العلاقة بين المكسيك وأمريكا، فكيف هي الحال في العلاقة بين العالم العربي والإسلامي والغرب؛ فحالة من التوتر سادت العلاقات الأمريكية المكسيكية في أعقاب تصريحات المرشح الرئاسي ترامب ما استدعى من رئيس المكسيك إلى الإعلان عن عدم نية بلاده المساهمة في بناء جدار حدودي مع الولايات المتحدة معبرا عن استيائه وامتعاضه من تلك الدعوات المستفزة.
اللجوء والهجرة لم تعد مسألة عابرة وآنية بل مستدامة ويصعب التعامل معها فقط من خلال استراتيجيات إغاثية، كثير منها لا يجد ترجمة لها على ارض الواقع والسبب يعود إلى العقلية السائدة لدى القوى الأوروبية والغربية المهيمنة التي ضيعت الفرصة تلو الأخرى لمعالجة الأزمات السياسية في الإقليم وقدمت مصالحها الآنية على الأبعاد الاستراتيجية.
اللجوء باعتباره مشكلة مستدامة مرتبطة بالحروب وضعف التنمية في العالم العربي وإفريقيا وأجزاء واسعة من آسيا لا يمكن وقفه أو مواجهته بمساعدات ومشاريع اقتصادية وإغاثية لم تنجح في معالجة أزمة اللجوء الفلسطيني من قبل، فأنى لها أن تعالج أزمة متفجرة ممتدة من الحدود الليبية إلى الحدود العراقية؛ مساعدات رغم أهميتها ستبقى محدودة التأثير ما لم يتم علاج أسباب اللجوء والهجرة وعلى رأسه ضعف التنمية والصراعات العسكرية التي من أبرزها الأزمة السورية التي تحولت إلى ورقة في لعبة دولية يتم استثمارها من قبل القوى الدولية دون اعتبار لمخاطرها الاستراتيجية على الاستقرار الإقليمي والدولي؛ فالأمم المتحدة لم تحرز أي تقدم يذكر في مواجهة أزمة اللجوء وبات دورها مقتصرا على استصدار تصاريح من السلطات الروسية والسورية والإيرانية لإدخال المساعدات إلى المنكوبين، سواء في سوريا أو العراق، والمناطق العازلة باتت ضحية للتنافس والتصارع والتناحر الدولي والإقليمي.