يغري الميل إلى التفاؤل بالجهد الذي يبذله جون كيري و«زميله» سيرغي لافروف (وهو الوصف المحبب الذي يطلقه الوزير الأمريكي على نظيره الروسي) للتوصل إلى حل للأزمة السورية. الحاجة إلى التفاؤل تعود إلى حجم الكارثة التي ضربت سوريا نتيجة هذا النزاع. وصعوبة بقاء سوريا دولة واحدة متماسكة، بعد كل معركة من المعارك التي تخوضها قوات النظام ضد فصائل المعارضة، وما تؤدي إليه من تهجير سكاني بلون طائفي ومذهبي؛ تهجير لا يمكن أن ينجم عنه سوى إعادة رسم الخريطة السورية، بحيث تصبح أكثر تجانسا من الناحية الطائفية، وأقل تعايشا من الناحية الوطنية.
لكن التفاؤل بجهود كيري ولافروف لا يكون واقعيا، إلا إذا استند إلى الحقائق التي باتت ثابتة في الأزمة السورية. أولى هذه الحقائق، أن كل المحاولات السابقة لوقف القتال فشلت، وآخرها محاولة الوزيرين نفسيهما في شباط (فبراير) الماضي، لأنها لم ترتبط بخطة واضحة لتغيير النظام؛ إذ يجب أن نتذكر ويتذكر الطامحون إلى حل هذا النزاع، أن مطلب التغيير هو الذي أشعل شرارة الثورة السورية منذ شهورها الأولى. وإذا كانت الخطة الأخيرة لكيري ولافروف تبدأ من وقف العمليات القتالية، في هدنة يفترض إذا نجحت أن توفر شيئا من دماء السوريين لمناسبة عيد الأضحى، فإنها لا تنطلق بعد ذلك إلا للحديث عن «انتقال سياسي» في سوريا، وهي العبارة الغامضة التي صار كل طرف في النزاع السوري يفسّرها على هواه. النظام يفهم الانتقال حكومة موسّعة تضم من يختارهم بشار الأسد ويضمن ولاءهم من المعارضة. والمعارضة من جانبها، تفهم الانتقال انتقالا من مرحلة إلى مرحلة، أي من حكم بشار الأسد إلى ما بعد هذا الحكم، بنتيجة عملية ديموقراطية يختار فيها السوريون من يحكمهم في المرحلة المقبلة.
الواقعية تقضي الاعتراف أيضا بأن هذا الاتفاق الثنائي الأمريكي - الروسي لا يأخذ في الاعتبار أن هناك أطرافا أخرى في الأزمة السورية، لم تكن موجودة على طاولة جنيف. طبعا ليس الحديث هنا عن الأطراف الداخلية، سواء النظام أو المعارضة، التي أسلمت رقابها منذ زمن للمصالح الخارجية، بل عن أطراف إقليمية، في المنطقة وخارجها، من بينها تركيا وإيران اللتان أصبح دورهما مباشرا في النزاع، وقد تجدان أن الثمن الذي يريده كلّ منهما للسير في الحل، ليس مضمونا بنتيجة صفقة جنيف، سواء بالنسبة إلى بقاء الأسد على رأس النظام، كما تريد إيران، أو إلى هوية الأطراف المعارضة التي يستهدفها الاتفاق، وهل تشمل الطرف الكردي الذي يقلق تركيا.
ولأن كلا من كيري ولافروف يدرك على الأرجح حجم العقبات التي تواجههما، فقد اختارا صيغة غامضة في شأن ما ستنتهي إليه عملية الانتقال السياسي، سمحت بالحد الأدنى من التفاهم الأمريكي - الروسي في هذه المرحلة؛ تفاهم يقتصر على إطفاء النار في المواقع التي تشتعل فيها حاليا، بحيث يحافظ النظام على مواقعه المتقدمة في الجبهات التي اختار التقدم فيها لتكريس حدود «سوريا المفيدة»، وتنسيق فاعل مشترك بين الولايات المتحدة وروسيا في مواجهة «التنظيمات الإرهابية»، بعد تحديد مناطق وجودها، وعزل هذه المناطق عن مناطق «المعارضة المعتدلة». وهذا سبب لنزاع من نوع آخر حول تصنيف الفئتين.
تؤكد الخطة الأخيرة للتسوية في سوريا، حجم التراجع الذي وصل إليه الدور الأمريكي في مقابل نفوذ الدور الروسي. موسكو هي التي يتوسل إليها جون كيري الآن للضغط على النظام لاحترام بنود الاتفاق، فيما لا يملك الأمريكيون أي قدرة للضغط على أطراف المعارضة، التي فقد بعضها الثقة بدور واشنطن، بينما البعض الآخر يعاديها علنا.
غير أن جون كيري يواجه مشكلة داخلية أيضاًفي قلب إدارته؛ فعلى الرغم من «الزمالة» التي يفاخر بها مع سيرغي لافروف، هناك أطراف نافذة مثل وزير الدفاع آشتون كارتر ووكالة الاستخبارات المركزية، لا تنظر إلى الدور الروسي في سوريا ولا إلى لعبة فلاديمير بوتين في تلك الأزمة بالنظرة المتفائلة والساذجة نفسها، التي ينظر بها وزير الخارجية. وهذا سبب لانعدام التفاؤل، لأن القوى التي ستنفذ اتفاق جنيف على الأرض وفي الجو، هي القوى التي يأمرها البنتاغون، وليس جون كيري.