قضايا وآراء

أحداث المنيا.. والمسافة بين المؤامرة والعبث

هشام الحمامي
1300x600
1300x600
تتجاوز أحداث قرية الكرم بمحافظة المنيا في مصر مجالها الذي حدثت فيه وتتسع لتبسط أمام أعيننا واقعا منذرا بالعواقب السيئة.. فالمشهد الطائفي فيها كان عبثيا إلى درجة بلهاء.. والمشهد الأمني فيها أيضا كان مرتبكا إلى درجة خرقاء أما المشهد السياسي فيها، فكان مريبا إلى حدود ما عادت مقبولة من أناس يعيشون في بلد واحد، وينتظرهم غد واحد، ويمر وطنهم بمرحلة من أدق مراحل انتقاله التاريخي وأخطرها في العصر الحديث.. فيها ما فيها في الأساس والأصل من عوامل التوتر والاضطراب الذي تم تصنيعه على مدار نصف قرن! الاضطراب الذي يريد له البعض أن يطول ويتسع ويتمدد ويتهدد الوطن كله في خصيصة من أهم خصائصه وهي وحدته الوطنية وتماسك بنيانه الاجتماعي .

وإذ يدعونا الحديث إلى السؤال عن القصة الأولى التي أطلقها المواطن المسيحي أشرف عطية من لقطات مصورة له مع إمراه مسلمة وانتشارها في القرية.. ستجد نفسك في الحال أمام مشهد مسبوك في مسابك المؤامرات والتلاعبات الأمنية بامتياز..   

مسيحي ومسلمة.. !؟ في علاقة غير شرعية.. !؟ في قرية ريفية.. !؟ وفى الصعيد.. !؟ وفى محافظة معروف عنها تكرار التشاحن الطائفي.. !؟ أتصور أن الموضوع كله كتب على الورق وتم تنفيذه مثل سيناريوهات السينما تماما وكان مطلوبا أن يكون على أعلى درجات التصعيد.. بما فيها اللقطة التي تم تداولها عبر الحكايات ولم يثبت حدوثها ولو حدثت لكان من الممكن لأى طفل أن يصورها بتليفونه.. سواء للتشهير كما حدث مع المرأة المسلمة.. أو لتكون دليلا على حدوث هذا الجرم الشنيع.. لم يحدث شيء من هذا.. وتم إخراج المشهد إعلاميا على أرضية امرأة قبطية تم تعريتها ؟؟!! وعلى الجميع أن يبدأ في تعامله مع هذا الموضوع انطلاقا من هذه الفرضية.. أنت الأن تتحدث عن عنف ضد الأقباط.. أنت الأن تتحدث عن تصدع اجتماعي ووطني.. أنت الأن لديك موضوع مثير ومليء بالألغام الإعلامية.. وآه من الإعلامية.

ما يقوم به الإعلام الآن في مصر ما هو إلا تنفيذ دقيق وحرفي لما ذكره ناعوم تشومسكى في كتابه المهم (هيمنة الإعلام الأثر المرعب للدعاية).. وما توقعه الدوس هكسلي في (عالم جديد رائع) عن دور وسائل الإعلام في التحكم بمشاعر الناس وتوجيهها الوجهة التي تحددها (قوة مركزية).. ولا يمكن لعاقل إلا أن يدرك ببساطة أن وراء كل هذه الأكاذيب والضلالات(قوة مركزية).. ولعلى أخشى أن أقول إن(فكرة الديمقراطية )في حد ذاتها باتت مهددة تهديدا مباشرا من تلك التحالفات المريبة بين الأجهزة والإعلام والسياسيين الفاسدين.. 

لم تكن أحداث قرية الكرم بالمنيا الأولى ولن تكون الأخيرة وستظل وحدة الوطن في أنصع صورها مهددة في الصميم ومصدرا من مصادر التعويق والاضطراب والقلق السياسي والأمني إلى أن تتماسك لحمة السلطة والمجتمع بما يكفي.. استقرارا وثباتا على أسس الدستور الضامن لعهد المواطنة التامة والكاملة.

لكن إعلام الانحطاط يأبى إلا أن يجعل الوطن كله ذبيحة قربانا لشياطين الكراهية والغل والأحقاد والشهوات والمصالح الخاصة.. 

يقولون إنه لا يوجد ما هو أقوى من الحب سوى الخوف.. أكثر ما يخضع الإنسان ويجعله يصدق كل شيء هو الخوف.. وحده قادر على تنظيم الجماهير إذا ما استخدم بمهارة.. الخوف قد يعمل بقوانين لا علاقة لها بالأخطار الفعلية المهددة لسلامة الناس بل بحالة الغموض المرعب الذي يكتنف المصير. وهو ما يقوم به إعلام الفضائيات الخاصة الأن على نحو منتظم ومستمر ومتواصل وبلا انقطاع.

واختم بما لابد منه تتميما للمعنى.. الأستاذ نبيل مرقس خبير التنمية والدراسات الاجتماعية ذكر في احدى الندوات أن العنف لدى إخوتنا الأقباط أصبح لا سقف له، وتجاوز قدرة القيادات الروحية على احتوائه!!؟؟ أيضا د/شريف دوس رئيس الهيئة القبطية قال مثل ذلك.. من أن العنف لدى الشباب المسيحي أصبح غير مسبوق.. 

ليس مطلوبا من إخوتنا الأقباط أن يكونوا ضحايا وشهداء.. هم ليسوا كذلك، ولن يكونوا.. فقط أدعوهم أن يلتزموا بما ألزموا به أنفسهم دينا واعتقادا، ليس مطلوبا منهم أن يكونوا على مستوى ما قاله السيد المسيح (من اغتصب رداءك اترك له الإزار أيضا..) فقط أن يكونوا على مستوى مقولته العظمى (أريد رحمة لا ذبيحة).

والأهم أن ينتبهوا جيدا إلى ما يحاك للمنطقة كلها من سيناريوهات تتراوح ما بين الحروب الأهلية والطائفية، وبين التقسيم والتفتيت، حتى تتعملق إسرائيل أكثر وأكثر.. 

طوال التاريخ الحديث وكان أقباط مصر يدخلون اختبارات تتعلق بولائهم الأول وانتمائهم الأول.. وفى كل المرات كانوا ينجحون نجاحا مجيدا في أن يثبتوا أن ولاءهم وانتماءهم هما لوطنهم وحضارتهم.. وهو ما تتوقعه مصر كلها منهم في هذه الفترة الأكثر ارتباكا واضطرابا في تاريخنا الحديث.

0
التعليقات (0)