ضربت عاصفة هوجاء المستوى السياسي في إسرائيل، باستقدام ليبرمان إلى وزارة الحرب بديلا عن يعالون، وإذا كان نتنياهو قد نجح في التلاعب بالمعسكر الصهيوني وزعيمه هيرتسوغ، كما كان متوقعا، إلاّ أن جلب ليبرمان إلى عش الدبابير بجوار الليكود وحكومة تتصف بالتطرف الديني، قد يهزّ أركان الحكومة ناهيك عن المتطلعين والطامحين في الليكود، هؤلاء الذين عارضوا المشاورات مع هيرتسوغ لضمه إلى الحكومة، إلاّ أنهم بالمقابل سيشعرون بالأسى كون ليبرمان سيصادر العديد من تطلعاتهم وطموحهم، كونه من طينة التطرف والعنصرية ذاتها، كما أنه يمتلك شخصية قوية ومدعوم من حزبه، رغم تلقي هذا الحزب خسارات متلاحقة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
ناهيك عن أن ليبرمان، رغم كل تطرفه، فإن ليبراليته وبرغماتيته تجعله أكثر قدرة على التلون والتراجع، رغم كل ما يقال عن تشدده في مواقفه المعلنة، وقد أعلن مؤخرا أثناء المشاورات لضمه للحكومة أنه على استعداد للتراجع عن بعض مواقفه السابقة لتسهيل دخوله إلى الحكومة، وحسب بعض المقربين لديه، فإن ليبرمان لا يلتزم باستراتيجية يمينية متصلبة، ويذكر هذا البعض العاصفة التي أشعلها ليبرمان قبل بضعة أشهر عندما دعا إلى إقامة دولة فلسطينية ونقل أحياء من القدس الشرقية إلى السيادة الفلسطينية، كما تقدم بفكرة تعتبر من وجهة نظر إسرائيلية أكثر «تقدما» عندما طالب بنقل مدن في إسرائيل ذات أكثرية فلسطينية إلى دولة فلسطين مقابل ضم مستوطنات إلى إسرائيل.
هذه الأفكار التي أثارت جدلا واسعا في إسرائيل عندما طرحها ليبرمان، اعتبرت دليلا على أن ليبرمان، من وجهة نظر إسرائيلية، ربما يكون أكثر «واقعية» من العديد من الشخصيات اليمينية المتطرفة دينيا وعنصريا داخل وخارج الائتلاف الذي يقوده نتنياهو، ورغم هذه الأفكار، إلاّ أن ذلك لا يقلل البتة بالنسبة لنا الفلسطينيين من اعتبار ليبرمان، وبعموم أفكاره، من أكثر الإسرائيليين تطرفا وعنادا وإجراما، والعودة إلى تصريحاته في هذا السياق تؤكد بالقطع مثل هذا الاعتبار!
ربما لم يحسب عتاولة الليكود حسابا لبديل يعالون في الكنيست، وهو الناشط اليميني العنصري يهودا غليك، الذي سيتواضع الآخرون إزاء مستوى تشدده وفاشيته، ولن يطال أي منهم قامته في المزايدة على هذه الصفات، وهو الذي تزعم اقتحامات متكررة للأقصى، ورفض التراجع عن هذه الاقتحامات بعدما أمر نتنياهو بوقفها في محاولة من هذا الأخير إخفاء الطابع العنصري لدولة الاحتلال، يضاف إلى ذلك أن له حسابا شخصيا مع الفلسطينيين إثر إقدام مقاوم فلسطيني على محاولة اغتياله وإصابته بإصابات لم يشفَ منها سوى بعد إجراء عدة عمليات.
وإزاء هذه الصورة من المتوقع أن تنشأ عدة تجاذبات وتقاطعات داخل حزب الليكود، من شأنها أن توجد تيارا صاعدا مستفيدا من العاصفة السياسية، لمناطحة نتنياهو على قيادة الحزب ورئاسة الحكومة، إلاّ أن الرهان على هذا الأمر يبقى ضعيفا بالنظر إلى ما كنا قد أشرنا إليه في عدة مقالات، من أن نتنياهو، الساحر صاحب التعويذات واللاعب بالبيضة والحجر في مجال السياسة، قادر على الإلمام بكل أطراف خيوط اللعبة السياسية والسيطرة على وضع الليكود الداخلي، ولعلّ الطريقة التي تعامل بها مع حزب المعسكر الصهيوني وزعيمه هيرتسوغ في الوقت الذي كان يدير نقاشا وحوارا مع ليبرمان، ما يثبت جدارته باحتلال صفة «الساحر المشعوذ».
هي إذن عاصفة سياسية، لم تقتصر على الحكومة وأحزابها، وخاصة حزب الليكود، بل تجاوزتها إلى المعارضة الهشّة التي يقودها هيرتسوغ، الذي ظهر وكأنه «الزوج المخدوع» نظرا لرهانه على حاجة نتنياهو إليه لتوسيع قاعدة الائتلاف الحكومي، فقد تنازل كثيرا وتراجع عن الكثير من الشعارات التي نادى بها حزب العمل، ولم يأبه بمعارضة كبار نواب وشخصيات الحزب المعارضة للالتحاق بركب نتنياهو، بل شنّ عليهم حملة شعواء، لكي يتبين بعد وقت قصير، قصر نظر هذا الرجل الذي ظل رهينة للأوهام من دون أن يتحلّى بنعمة القراءة الممعنة بشخصية نتنياهو واستهدافاتها، وتأكد الجميع الآن أنه استخدم استخداما سيئا لتحقيق مطالب نتنياهو بإلحاق ليبرمان بحكومته، بالتوازي مع إحداث شرخ كبير لدى قيادة المعارضة التي يمثلها هيرتسوغ، وتبين أنه لم يكن أكثر من دودة الفخّ الذي يصيد به الصبية العصافير الصغيرة، ليس إلاّ.
وهل نحن إزاء حرب قادمة على غزة بعد ليبرمان كوزير للجيش الإسرائيلي؟ وهل لهذا الأمر صلة بمبادرة وخطاب الرئيس المصري حول التسوية السياسية؟ وهل للأمر علاقة بقبول جون كيري المشاركة بمؤتمر باريس بعد الإعلان عن تعيين ليبرمان وزيرا للجيش الإسرائيلي؟ أسئلة عديدة، في إطار العاصفة السياسية في إسرائيل، ارتباطا بعامل التوقيت الأكثر حرارة من الناحية السياسية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، سنحاول الاجتهاد بتناولها في مقال لاحق.