مدونات

الطبقة التقليدية ودورها في تأجيج الصراع الداخلي في الوطن العربي

1300x600
1300x600


الشعوب العربية تحررت من المُستعمِر الغربي، ولكن بعد  تصفية الاستعمار الغربي وطرده ظهر مُستعمِرٌ آخر من أبناء جلدتنا، هذا المستعمر الجديد يتمثل بالأنظمة التقليدية العربية. هذه الطبقة التقليدية اليوم هي الحاكم الفعلي في الوطن العربي ومن يقول غير ذلك فهو كالذي يحرث في الماء. الطبقةَ التقليدية  تتمثل بِرجال الجيش وشيوخ القبائل ورجال الدين والملوك والهاشميين ومن لف في فلكهم. 

أولا، لو نظرنا إلى حكام اليمن، فمنذُ خروج المحتل البريطاني من جنوب اليمن وكذلك الأتراك من شمال اليمن، لم يرَ الشعب اليمني النور واستمر الصراع بين أبناء الطبقة التقليدية حتى كتابة هذه السطور. فتارة يحكم اليمن أبناء القبائل وتارة أبناء الهاشميين وهكذا. لا يوجد أي دور للمثقف الحقيقي وأعني بالمثقف الحقيقي (حملة الدكتوراه والخبراء والمهندسين والأطباء ورجال الكلمة، إلخ). هؤلاء دورهم هامشي، بل لا يوجد لهم ثقل ووزنّ داخل الدولة اليمنية منذُ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 حتى اليوم، وكان دور هذه الطبقة المثقفة لا يتعدى مكان عملها كطبيب ومدرس وغيره، ولا تمتلك  الدور الحقيقي في رسم سياسة الدولة بما يتواكب مع المتغيرات العالمية. 

أمّا الجزء الآخر من الوطن العربي، فهو يرزح تحت سلطة دينية وقبلية تقليدية، (فهناك الملك الذي يحكم وهناك الشيخ الذي يفتي)، ولا يوجد دور للمثقف الحقيقي في هذه البلدان. هذه الدول لا زالت تُحكم بأسلوب عشائري وقبلي قديم، ولا داعي لشرح مزيد من التفاصيل.

أمّا في دول أخرى كمصر والجزائر وسوريا، فهذه الدول لا زالت تحت نير حكم عسكري تقليدي بحت ولا مجال لأي طبقة أو فئة أخرى أنّ تنافس هؤلاء، وما حدث في مصر مؤخرا هو خير دليل على كلامنا، وكذلك ما يحصل في سوريا اليوم فهناك جرائم ومجازر وإبادة جماعية تُرتكب بحق أبناء الشعب السوري من قبل نظام الديكتاتور بشار الأسد. 

وهناك دول تعيش تحت نير طبقة دينية طائفية تقليدية متشددة، لا تَعرف سِوى الغِلّ والحقد والأنانية والغرور، وهؤلاء أشد خطرا من الأنظِمة العربية التقليدية الأخرى. هؤلاء لا يؤمنون سِوى بِلغة الموت للآخر والحياة لهم. هذه الطبقة تعتقد بأن الحكم قد جعله الله لها  وما على الطبقة المثقفة والطبقات الأخرى سِوى الطاعة. هذه الطائفة تحكم العراق اليوم بقوة الحديد والنار، وقد سجنت وعذبت وشردت كل الخبراء وقادة الفكر وحملة الشهادات العليا والمهندسين وغيرهم. لذلك أصبح العراق من أشدّ الشعوب العربية تعذيبا وتنكيلا. 

الوطن العربي اليوم يعيش أسوأ مراحل تاريخه المعاصر والحديث بل والقديم، وذلك لعدة أسباب نوردها كالتالي:
أولا، الحاكم الفعلي في الوطن العربي هو المثقف التقليدي( الشيخ، الملك، السلطان، الضابط، الأمير)، هؤلاء معظمهم لا يملك شهادة تعليم جامعي.
ثانيا، لا مجال هناك للنقد الموضوعي والبناء في الوطن العربي؛ فأصحاب الرأي والكلمة والقلم محرومون ومضطهدون.
ثالثا، المثقف الحقيقي ( الخبير، الدكتور، المهندس، المفكر، الجامعي، الصحفي، الأديب، المخترع، وغيرهم)، لا مجال لهم في إدارة شؤون الدولة في الوطن العربي؛ ولذلك أغلب العقول العربية المفكرة هاجرت وتركت الوطن العربي. أكدّ الباحث الجزائري بالكبير بومدين في إحدى دراساته أنّ أكثر من 32% من المثقفين العرب يعيشون في المنفى؛ نتيجة للغبن والظلم والقمع الذي تلقوه في بلادهم.

إذا، وبعد ما طرحناه سابقا يتضح وبما لا يدع مجالا للشك أنّ الطبقة التقليدية الحاكمة في الوطن العربي هي من أجّجت الصراع الداخلي في الوطن العربي، وهي سبب الخراب والدمار والجهل والتخلف والفقر والحروب الطائفية التي يدفع ثمنها المواطن العربي المسكين. الوطن العربي لن يرى النور إلا عندما يحكمه الطبقة المُثقفة وذلك كل في إطار تخصصه وعمله. حينها سيرى الوطن العربي الخير والتقدم والرفعة، وسيخرج من كبوته وسيستعيد دوره الحضاري والتاريخي، وسينافس الدول الصناعية الكبرى. قد يقول قائل إنّ الأحداث التي يمر بها الوطن العربي اليوم لا تبشر بخير، وبالتالي من المستحيل الوصول إلى ما نصبو إليه، لكننا نؤكد أنّه بعد هذه الأزمات والحروب والكوارث سيخرج جيل مثقف واع يعرف ماذا يريد، وسيحكم الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. لسنا متشائمين ولكننا متفائلون، ونتمنى أن يكون تفاؤلنا في محله.  

*كاتب وباحث يمني.
3
التعليقات (3)
يمني وافتخر
السبت، 21-05-2016 02:58 ص
فعلا لم يعد هناك مكان للمثقفين واصحاب العقول النظيفه العيش الكريم الا في المنفى ..?ن أوطانهم أصبحت ملئه بالعقول الوسخه والعقول التي لاتفكر الا في مصلحتها الشخصيه وكيفية البقاء في مستنقع الفساد ونهب الخيرات ..
عارف العوه
الجمعة، 20-05-2016 05:10 م
هذا وضع أمتنا العربية في أسوأ مراحلها عبر التاريخ دكتور عادل نعم
عربي حر
الجمعة، 20-05-2016 01:00 م
الوطن العربي تحرر من المستعمر لكن للاسف ظهر مستعمر اخر من ابناء جلدتنا هذه المرة. الوطن العربي لن يرى النور ابدا الا اذا وجدت العدالة والمساواة وحكم القانون وان لا يكون للعسكر اي دور في الحياة السياسية.