في سورية اليوم وأمام هول المشهد العسكري المتحول والشرس تصاغ خارطة طريق مستقبلية وفق رؤى وتطورات ستكون مختلفة بالكامل عن المراحل السابقة.
لقد شهدت أوضاع الحرب السورية المستعرة، بمتوالية حسابية رهيبة للخسائر البشرية في الآونة الأخيرة، جملة من التطورات الميدانية تمثلت في تصعيد أوار الصراع في الشمال السوري، وتوحد جهود الآلة العسكرية للنظام وبمعاونة الحليفين الروسي والإيراني لمحاولة السيطرة الكاملة على المحور الشمالي للعمليات وإلغاء الوجود العسكري لقوى المعارضة في مدينة حلب وريفها الجنوبي تحديدا، وحيث شهدت تلك المنطقة معارك ساخنة أسفرت عن نتائج غير عادية تمثلت في خسائر بشرية مروعة تكبدها الحليف الإيراني ومجموعة الميليشيات الطائفية العاملة معه، بعد أن أعلنت إيران رسميا حجم ودرجة تلك الخسائر التي تضمنت إضافة للقتلى وقوع عدد من مراتب الجيش والحرس الثوري أسرى بأيدي الجماعات السورية المقاتلة!
ما حصل في منطقة «خان طومان» من انهيار عسكري إيراني أتبعه تهديد إيراني واضح بالرد، يحمل في ثناياه حقيقة أن الحرب السورية قد دخلت في منعطف خطير قد يؤدي لتشابك أطراف إقليمية عديدة مع اتساع قواعد التدخل الخارجي في إدارة الحرب والعمليات العسكرية الجارية، فالنظام الإيراني وقد وضع المستشار الاستراتيجي للولي الإيراني الفقيه الدكتور علي أكبر ولايتي رأسه بمثابة خط أحمر لصانع القرار الاستراتيجي الإيراني لن يقبل بسهولة هزيمة وإذلال جيشه وعناصره وسلاحه في تلك المعركة، فالقيادات العسكرية التي خسرها من بين صفوف الحرس الثوري تمثل انتكاسة حقيقية للجسم العسكري الإيراني، كما أن نزيف الميليشيات الطائفية المؤتلفة والمشاركة معه في الحرب قد وصل لاستنزاف غير مسبوق كما حاصل فعلا مع جماعة «حزب الله» اللبناني الذي خسر الآلاف من عناصره بينهم قيادات ميدانية تمثل نخبة النخبة في قوات الحزب، وكان آخرهم مصطفى بدر الدين الذي قتل بقصف مدفعي لمقره قرب مطار دمشق من قبل قوى المعارضة المنتشرة هناك!
بدر الدين أو إلياس فؤاد صعب، يمثل غيابه انتكاسة نفسية حقيقية للحزب بعد غياب «عماد مغنية» ومصرعه على بوابة المخابرات السورية في دمشق عام 2008، أي قبل الثورة السورية!، وبدر الدين ليس مجرد مقاتل، بل إنه خزانة أسرار الحزب لأشد مراحله تعقيدا، وكان سجينا في الكويت لستة أعوام، قبل أن يتكفل الغزو العراقي للكويت العام 1990 بهروبه من السجن، وتخليص رقبته من حبل المشنقة الكويتية؛ بسبب دوره الرئيسي في تفجيرات 12/12/1983، التي كانت أحد أهم أحداث الإرهاب في الشرق في مطلع ثمانينيات القرن الماضي!
في الصراع السوري اليوم تتطاحن إرادات مختلفة، وتيارات متصارعة، وقيادات متعددة، ويعمد النظام في سياسة هروب واضحة المعالم للتصعيد العسكري، ولإيذاء المدنيين، ولخرق الهدنة، وزيادة الحصار على المناطق المحاصرة أصلا؛ بهدف كسر إرادة الثوار وتحقيق تقدم ميداني قد يستطيع استغلاله في أي مفاوضات سياسية مقبلة!، رغم أن الوضع العسكري للنظام لا يستطيع أبدا حسم أي معركة، حتى أنه عجز عن اقتحام داريا المحاذية لدمشق!
الوضع السوري مهدد بالمزيد من التصعيد؛ بسبب تصاعد نزعات الثأر لدى مختلف أطراف الصراع، الذي تحول فعلا وواقعا لحرب كونية مصغرة تختصر فيها وتمر من بواباتها الدموية المشرعة مختلف الرؤى والتوجهات، وأضحى أي حديث عن مقاربات أو حلول سلمية بمثابة ضرب من ضروب الخيال الذي لا يمكن تحقيقه في ظل الموازين والتوجهات السائدة حاليا..! كل الظواهر تنبئ بإمكانية فتح جبهات صراع عديدة، والمعارضة السورية المسلحة باستطاعتها كسب قصب السبق فيما لو حصلت على أسلحة نوعية متطورة، خصوصا في مجال مقاومة الطائرات، وهو الملف الذي لو تحرك فعلا لأحدث انعطافه مفصلية حاسمة في موازين الصراع الذي يدور حاليا وفق حسابات دقيقة جدا، ولم يخرج عن السيطرة الكاملة بعد، وهو الأمر الذي لن يستمر طويلا حتما!
أيام مقبلة صعبة ستعيشها جبهات المواجهة السورية، فيما رايات الثأر ترتفع من هنا وهناك، وكان الله في عون الشعب السوري المسكين، الذي أضحت قضية حريته وانعتاقه شأنا دوليا… وأي شأن. تطورات حاسمة مقبلة ستغير كل قواعد اللعبة الإقليمية الدموية الحالية!