مدونات

الذين ضيّعوا المِشْيتين..!

هشام يوسف
هشام يوسف
يُحكَى أن غرابًا رأى عصفورًا، يمشي فأعجبتَه مشيته؛ فأراد أن يتعلَّمها وظلَّ يحجِل يمنةً تارةً ويسرةً تارةً أخرى، ويحاول التظاهر بالمشية الجديدة؛ ولكنه لم يستطع وعندما يئس من ذلك؛ حاول العودة إلى مشيته الأولى، إلا أنه اختلط في المشيتين، وأصبح أقبح الطيور مشيًا..! 

هكذا كان حال، الحركة الإسلامية في مصر، وقت أحداث يناير عام 2001م تبعها، والاستحقاقات الشعبية التي اكتسحتها عن بكرة أبيها، وتملّكت قادتها ومنظِّريها، حينها حالة من الخُيلاء، ونوعًا ما من عظمة التملُّك، إذ لم تفصل بين ما هو دعوي وما هو سياسي، فكانت أشبه بهذا الغراب، الذي حجل يمنةً ويسرةً وتظاهر بالعرج؛ فلم يَعُد إلى سيرته الأولى..!

صحيح ليس من طلب الحق؛ فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه..! وصحيح  أنهم أسسّوا أحزابًا كبرى، صنّفت بأكبر أحزاب في مصر، (الحرية والعدالة)؛ (النور)؛ (البناء والتنمية)؛ (الأصالة)..؛ وصحيح أنهم قادوا تحالفًا ديمقراطيًا من أجل مصر، ضم أكثر من (11) حزبًا سياسيًا مصريًا من مختلف التيارات، أشهرها: حزب الحرية والعدالة المنبثق من جماعة الإخوان المسلمين؛ وحزب العمل الإسلامي؛ وحزب الكرامة الناصري؛ وحزب غد الثورة الليبرالي؛ يهدف التحالف لدعم التوافق الوطني عن طريق التنسيق السياسي والانتخابي بين أحزاب التحالف للوصول لبرلمان قوي خالٍ من  فلول مبارك؛ وصحيح أنهم حملوا قادة ما كان يسمّى بـ : (قادة التنوير)، الذين تصدَّروا قوائمها الانتخابية، وقد نجح معظمهم دون بذل أي جهد كأي مثقفين أنتلجنسيا، سلطوين ذوي بضاعة مزجاة، يلوكونها داخل أحزابهم الكرتونية وصالوناتهم الأدبية ومنابرهم العلمانية كافة، والذين لم يتنازلوا يومًا عن آرائهم في هذه الحركة متطرفة، متزمتة، تتاجر بالدين.. داخل حلقات نقاشهم ومؤتمراتهم وندوات جمعياتهم المهنية التي شهدت انكسارات وإخفاقات شديدة الوطأة أمام هذه الحركة الحاضنة، في خطوة جريئة من الحركة الإسلامية تشي بالإيثار، وإنكار الذات، مع قوم ذوي أخلاق الضباع..!

وصحيح أنهم اكتسحوا الأحزاب الكرتونية والوليدة حينذاك بنسب عالية قادوا خلالها المرحلة البرلمانية، إلا أن أداءهم خيَّب ظنون المتابعين والراصدين والمحلِّلين، حتى أطلق عليهم حينها أن المعارضة لهم إبداع ..!

وصحيح أنهم فازوا بأول انتخابات رئاسية، إلا أن الأداء كان أكثر سوءًا وانهزامًا؛ وربما قادوا مصر بذهنية الدراويش منها بالساسة المحنكَّين.. ومما يُرثى لحالهم..! محاولة الظهر بالمستضعفين الذين أغروا غيرهم بالوثوب عليهم وتجاوز دورهم؛ فتعاملوا بغشومية منقطعة النظير، وما زاد الطين بلةً هوانهم حتى على مَنْ حملوهم إلى البرلمان، فساهموا في شيطنتهم إعلاميًا؛ وحرق مقارهم، بل وقتل منسوبيهم وإرهاب مؤيديهم عبر المليشيات السوداء..! 

وبالرغم من تظاهرهم بدراسة الاستبصار بحالات الأمم السابقة وبتاريخ التجارب البشرية المؤثّرة، وقراءة (فقه السُنة) للإمام محمد الغزالي؛ وأيضًا (فقه السُنة) للهالك محمد سعيد رمضان البوطي، التي تزخر بالعبر والعظات، بأحوال الأمم السالفة، قال تعالى: (أولم يسيروا في الأرض؛ فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها، وجاءتهم رسلهم بالبينات، فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) [الروم: 9] للاعتبار، للحيلولة دون انتقال علل وأدواء هذه الأمم إليهم؛ والتعرّف والاطلاع والنظر في أحوالهم على سنن وأنظمة ثنائية النهوض والسقوط؛ كون التاريخ المصدر الأساس للفقه الحضاري؛ والميدان الأوسع لمعرفة التجارب؛ والمختبر الأهم لتقويمها وتكؤة أهم تحديد مسارات استشراف المستقبل؛ إلا أن قادتها افتقدوا  البوصلة؛ وتوقفت أفكارهم على اللحظة المنعشة؛ فتعطّلت الرؤية؛ ومُنيوا بانتكاسة كالتي ذاقوا ويلاتها عبر ثماني عقود من المظلومية والنواح وعجز العقل الفكري عن إحداث حالة من التقويم والمراجعة؛ للتعرّف على بواطن القصور؛ ومواطن التقصير؛ لكنهم أصروا بنجاح كاسح وساحق وماحق منقطع النظير، أن  يكونوا خارج هذا التاريخ ودون مستوى الواقع الحاصل، وربما المستقبل المنشود..!

فهل تكون عدم القراءة الواعية لتجارب الأمم وأحداث التاريخ، بمثابة رصاصة الرحمة عليهم أم يقيِّض لهم الله تعالى من رحم الأحداث شبابًا مؤهلين، ذوي خبرات فكرية وخططية، لديهم قدرات على المناورة؛ مؤثِّرين ومبدعين على الفعل، لا ردِّه..؛ مدركين للمساحة التي يعملون فيها، والقطاع العريض الذي يستهدفونه، بخطاب قوي، ليس فيه نبرة الغل ولا التشفي؛  قادرين على معالجتها، ومن ثم القدرة عل التعبير عن رسالة الإسلام بثقافته، وحضارته، وعطائه للإنسانية، متجاوزين الصورة الشيطانية التي روجها عنهم خصومهم وكتائب المنتفعين؛ ليكونوا البديل المنتظَّر لهؤلاء الذين ضيّعوا المشيتين..؟!
 
2
التعليقات (2)
عبدالوهاب المنسي
الإثنين، 30-05-2016 09:12 م
والله ك?م درر. عبرت عن عين الحقيقه النى حدثت. وخاصه حاله الغشم.والمستقبل للشباب القادر على فعل مانتهيت اليه فى مقلك الرائع
عبدالوهاب المنسي
الإثنين، 30-05-2016 09:12 م
والله ك?م درر. عبرت عن عين الحقيقه النى حدثت. وخاصه حاله الغشم.والمستقبل للشباب القادر على فعل مانتهيت اليه فى مقلك الرائع

خبر عاجل