مدونات

الدكتور سعيد سعدي.. أي تكريم يليق به؟

بوشن فريد
بوشن فريد
كلما فكرت الكتابة عن الدكتور سعيد سعدي.. تحاصرني جملة خالدة سمعتها ذات يوم في محاضرة لمثقف كبير ومحلل سياسي من الطراز العالي والكعب النبيل.. إنه الدكتور الطبيب سعيد سعدي الذي قال: لا تستمعوا إلى الذين يقدسون النقد السلبي ويروجون لليأس في أنفس الأجيال.. فالتاريخ لا يرحم.. والتاريخ يصنعه الكبار..

فعلى نغمات هذه الكلمات..فكرت مليا ونفسي تحزها حالة مدهشة تجاه الكتابة عن رجل سكب كل عمره في النضال، وصب عرق شبيبته في كأس الحرية والديمقراطية.. ودفع ثمن قناعاته بالحبس والقمع والمنع..

رجل رتبت له الأقدار فرصة الالتحاق بركب الكبار والقادة..فمنذ نعومة أظافره قرر أن لا يعيش على قصص الذل والجهوية والعبودية مهما كان شكلها أو لونها أو نوعها.. فهو يعرف أن في الجزائر هناك نوعان من الاستعباد.. الاستعباد الفكري والاستعباد المالي.. بمعنى أن النظام المنحرف عن طموحات الشهداء والمغتصب لحرية الشعب يرتكز على هذان الصنفان من العبودية بغية حماية ديمومته وصون عرشه ومصالحه، فهو يسهر على تخدير المجتمع بأفكار خارجية مستوردة وغريبة عن أعراف وتقاليد البلد، كأن يسعى لتدريبه فكريا بإشباعه ثقافات قاتلة ومعقدة إيديولوجيا قصد تمكينه حصر معارف الفرد الجزائري وانزوائه فقط في بقعة شرقية معفنة بالخراب والدمار الفكري حتى لا يجسر المجتمع بتحريك قناعاته والتحرر من عبء القابلية للاستحمار والاستعباد، ومن ثم لما لا يكون بمقدور المجتمع أن يتحرك حيال الذل فحينها تطمئن قلوب هذه السلطة المبنية على سلوكيات جد فاشية وزبائنية.

وأما الاستعباد المالي، فمعناه اتخاذ النظام عامل المال لشراء الذمم والسلم الاجتماعي..وأحيانا يكون بمقدور السلطة بقوة المال المتوفر شراء حتى شخصية الفرد وحريته وفكره..وهذا ما حدث بالضبط في الجزائر ويحدث الآن.. خاصة في مرحلة رئيس الدولة عبد العزيز بوتفليقة.. أين تم إشباع رغبات الشباب المادية على حساب التطلعات المصيرية للأمة، وذلك بفتح أبواب الخزينة العمومية لكل من هب ودب، وتعبيد الطريق للفساد ودعشنة أرزاق الشعب.. والغاية الحقيقية من السلطة وراء هذا السخاء المالي هو شرعنة الفساد وقتل إرادة النخب وإذلال طموحات وحماس الشبيبة..

بالفعل نجح النظام في مسعاه..وتمكن من زرع بذور اللامبالاة في صفوف الشعب، السياسة مضيعة للوقت.. الأحزاب السياسية همهما قضاء حاجياتها الشخصية.. التغيير مستحيل... وغيرها من الشعارات القاتلة لأكسوجين النضال في قلوب وعقول الأجيال الحالية وربما في الأجيال المستقبلية.

لذا فوجود أمثال الدكتور سعيد سعدي، بقاماتهم الفكرية ومسيرتهم النضالية قد يساهم في ترقية الأمل وجعله أمرا ممكنا ومعقولا.. لكن بشرط .. ينبغي استباق العقل قبل القلب والحكمة قبل العاطفة من أجل فهم ما يمكن فهمه من تضحيات هؤلاء الكبار الذي أنجبتهم الجزائر ما بعد الاستقلال.

فالدكتور سعيد سعدي إنسان عادي.. لكنه ليس شخصا طبيعيا.. فرغم ما عانه من الشتيمة الإعلامية العميلة لأجنحة السلطة تارة بوصفه عميلا وجاسوسا ومنافقا وجهويا.. ومن الإساءة إلى شخصه وأفراد عائلته.. رغم كل التهم الموجهة له يوميا ولحد الساعة.. لم يستسلم.. ولم يساوم.. وهذا لا يعني أنه راغبا في صفة الزعامة كحال بعضهم وما أكثرهم وإنما هياما في نفسه الطيبة والنقية برؤية حلم الحرية يطلع على الأجيال التي ناضل من أجلها وتعرض بسببها إلى مختلف حماقات السياسة والتهميش، وغراما في الديمقراطية مشرقة في وجه كل الجزائريين عامة بلا تمييز ولا تفريق.

الدكتور سعيد سعدي مثقف خدم وطن جريح جدا، وعندما اختار الذود من أجل شرف الأجيال وأحقيتها في الحرية.. بدأت جحافل النظام من شدة غيرتها وحقدها على شخصه الوطني بدس سم الجهوية ونعته بالعمالة.. في وقت كان من السهل جدا على المجتمع الجزائري اكتشاف الحقيقة في ظل التطور التكنولوجي والتفوق الفكري على حساب العقد المزيفة.

مهما قيل ويقال.. فالدكتور سعيد سعدي لن يكون رمزا جميلا لولا كل هذه السموم المرسومة بغباء النظام وزبائنه. فعادة الكبار تصنعهم كراهية الأنظمة لأفكارهم وجرأتهم النضالية.. وهذا حال الدكتور سعيد سعدي.

*صحفي جزائري
1
التعليقات (1)
عزالدين
السبت، 19-09-2020 08:29 ص
معك الحق هذا الرجل له شخصية بارزة في المجال السياسي الديمقراطي و الثقافي و يعتبره قدوة لمن لا يعرفه بعد لكونه مثقف لدرجة لا تعد و لا تحصى و شكرا لكم سيدي بفاءق الاحترام و التقدير على هاته الرسالة عرفانا بمجهوداته الجبارة تجاه هذا الوطن و خاصة المواطن المغتصب من حقوقه