بينما تتعالى أصوات بعض مسؤولينا مندِّدة بحملة الإساءات الفرنسية لـ"الجزائر ورموزها"، ويلوّح مجلسُ الأمة بـ"تعطيل مسار العلاقات بين البلدين".. يستمرّ الكثيرُ منهم في مخاطبة شعبهم باللغة الفرنسية بكل تبجّح، ويتواصل تجميد مقترح قانون تجريم الاستعمار، وتجميد قانون التعريب، وتكثّفُ الوزيرة بن غبريط مساعيها لفرْنَسة التعليم وفق المناهج الفرنسية الموضوعة عام 2009 بمرسيليا، وبمحاصرة العربية وكذا التربية الإسلامية ومنحها معاملا لا يتعدى الواحد؟!
الدولة التي تغضب على دولة أخرى أهانت رموزها بـ"نيّة مبيّتة" كما يقول مسؤولونا، لا ينبغي أن تكتفي بحملة "كلامية" فارغة تنتقد فيها وتصرخ وتهدّد، ثم تواصل علاقاتِها معها وكأنّ شيئا لم يكن، بل وتمنح لها مدرستَها على طبق من ذهب لتقوم بفرْنستها كما شاءت تحت غطاء "التعاون في المجال التربوي"، وتمنح للغتها الاحتكار كلغة "أجنبية" أولى تُهمّش من أجلها كل اللغات الحيّة.
لا يمكن لمسؤولين تشرّبوا حبّ فرنسا حتى الثمالة، وأصبحت الفرنسية لغة مجالسهم واجتماعاتهم، وبها يخاطبون شعبهم، والمسؤولين الأجانب، ويمنحون مدرسة بلدهم للفرنسيين الذين لا يكفون عن إهانتهم، ويجمّدون قانون تعميم استعمال لغتهم الوطنية والرسمية منذ عام 1992 للإبقاء على هيمنة الفرنسية على مختلف الإدارات والمؤسسات ووسائل الإعلام والمحيط العام... مثل هؤلاء الذين يستمرئون الذل والهوان، لا يمكن أن يتجاوزوا الشقشقة الكلامية إلى الأفعال، ويتخذوا أيّ خطوة عملية ضد فرنسا، وكل ما يُقال عن الاتجاه إلى تكثيف تنويع العلاقات الاقتصادية مع العالم للخروج من ربقة التبعية الاقتصادية لفرنسا، هو مجرد تصريحات فارغة، فأين كانت كل هذه الإجراءات طيلة 54 سنة كانت فيها فرنسا لا تتوقف عن إهانتنا؟ هل اتخذ نظامنا أيّ إجراء عملي مؤثر غير رفض توقيع "معاهدة الصداقة" مع فرنسا عقب سنّ قانون تمجيد الاستعمار في فبراير 2005؟ ألم يعجز حتى عن الردّ عليها بقانون مضاد يجرّم الاستعمار؟
الآن مرّت فرنسا إلى مرحلة أخرى أصبحت فيها تطالبنا بالتعويضات عن الأملاك المزعومة لمعمّريها، وتقدّمَ 85 نائبا فرنسيا بمقترح قانون لتمجيد خونة الثورة، وإدانة جبهة التحرير على التنكيل بهم بعد 19 مارس 1962، من دون أن تردّ هذه السلطة عمليا، أو تنبس جبهة التحرير و"الأسرة الثورية" المتهافتة على الريوع والمكاسب ببنت شفة، فأين النخوة والأنفة وعزة النفس؟ وماذا تفيد قيادة حملة كلامية جوفاء ضد فالس وفرنسا إذا لم نبعث على الأقل مقترح قانون تجريم الاستعمار، ونصادق عليه ردا على هذه الإهانات الجسيمة؟
لن نصدّق أن النخوة والأنفة قد ثارتا في نفوسكم إلا إذا أوقفتم هذا التذلل والتصاغر المستمرّين لفرنسا، وقطعتم الحبل السرّي الذي يربطكم بها.. أوقفوا "إصلاحات" بن غبريط وحافظوا على المدرسة الجزائرية الأصيلة والمتفتحة على كل اللغات الحيّة من دون تمييز أو احتكار، ابعثوا قانون تعميم استعمال اللغة العربية وكفى تدليلا للغة فافا وتمكينها من مؤسّسات الدولة، ارفعوا التجميد عن مقترح قانون تجريم الاستعمار، وافتحوا فرص الاستثمار لكلّ دول العالم، ولتتوقف بقايا "دفعة لاكوست" عن محاباة الفرنسيين بها وعرقلة استثمارات الآخرين.. باختصار نريد الأفعال لا الأقوال.
عن صحيفة الشروق الجزائرية