مدونات

نحوَ حماس، قراءة في تجربة التأسيس

وائل حراز
وائل حراز
تقدِّم لنا المعلومات التي نشرها أحد مؤسسي (حركة المقاومة الإسلامية – حماس) الدكتور عدنان مسودي (مواليد 1944م).  في مذكراته (إلى المواجهة) الصادر عام 2013 عن مركز الزيتونة. - تقدِّم لنا- زاوية نظر مهمة تتعلق بنشأة حركة حماس في الضفة الغربية، وتُظهر لنا تلك المعلومات كيف عبَّرت العقلية الإخوانية الدعوية التربوية عن نفسها في سياق التحرر الوطني ضد احتلال استيطاني إحلالي.

وتجربة مسودي إذ تتقاطع مع غيرها من الروايات التي قدَّمها مؤسسو حماس فيما يتعلق تحديدا بعلاقة الحركة بجماعة الإخوان المسلمين، فإنها بلا شك تحمل خصوصية زمانية ومكانية وذاتية لا يجب إغفالها عند البحث في تاريخ الحركة وعلاقتها بالجماعة.

فعلى الرغم مما قدمته الجماعة الأم من تحركات جهادية تم توثيقها في الكثير من الأدبيات كتلك التي كتبها كامل الشريف وغيره، إلا أن الضوْء ظلَّ مسلطا هنا على التحركات التي وفدت إلى فلسطين ولم تتطرق عادة إلى ما قدمته الجماعة ذاتها التي كانت قد أرست قواعدها في فلسطين، ابتداء من عام 1945م في بيت المقدس وامتدت إلى المدن والقرى الفلسطينية ليجتمع أكثر من 500 "مندوب" من المناطق للجماعة في حيفا في اجتماع كبير وثقته الصحف عام 1947.

الجهود لم تتوقف بعد النكبة بل زادت الحاجة إليها رسوخا بعد أن وقعت الكارثة وترجَّع صداها في قلوب المسلمين وقادة الجماعة على مستوى العالم، حين تداعوا إلى فلسطين في المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس1953م، ليشاركوا البحث في سبل الحلّ وقضاياه.

أين كانت جماعة الإخوان المسلمين بعد النكبة؟

"لقد كان الإخوان المسلمون هم الأمل ولكنهم لم يفعلوا شيئا"! هذه كانت إجابة الدكتور عدنان مسودي عمَّا فعله الإخوان إبان النكسة عام 1967. وهي شهادة تستحق النظر طويلا في مضمونها، وحقيقتها، وظروفها.

أحداث النكسة نقلت ما بقي من الثقل الإخواني إلى قطاع غزة والضفة الغربية والشتات، ويظهر أن الجماعة قد عادت إلى العمل الدعوي والنشاط الخيري، وأعاد أعضاؤها العمل ضمن دائرة "التشغيل" السرِّية الذي يسعى إلى "نشر الدعوة" من دون محاولة الاصطدام بالاحتلال الذي صار أمرا واقعا.

خرج الدكتور عدنان مسودي وغيره من الشباب الفلسطيني إلى سوريا لدراسة الطب وعاد هو حاملا لأفكار سيد قطب أو "المنهج القطبي" كما يقول(ص71)، وحاملا روحا جهادية عاشها في معسكرات الشيوخ التي تأسست في الأردن كقواعد إسلامية لقتال "إسرائيل"، تعمل في كنفِ حركة فتح. كان من قيادات تلك المعسكرات حينها الذين التقى مسودي بهم الدكتور عبد الله عزام وأحمد نوفل.

بعد العودة إلى الضفة الغربية بعد النكسة تُظهر النقاشات التي دارت بينه وبين "المشايخ" الذين سيطروا على عمل الدعوة في الضفة الغربية ومدينة الخليل، خصوصا حينها أن حالة من الصدام قد بدأت بين الجيل الجديد القادم من الخارج والجيل المسيطر الذي يسعى إلى استمرار الحالة التشغيلية الدعوية، من دون اصطدام بالاحتلال - وقد ظهر في النقاشات التي سجلها مسودي بوضوح حالة الاستكانة التي وصل إليها بعض قادة ذلك الجيل، وتحذيرهم للدكتور من الحديث بأفكاره الجديدة حتى لا يتعرض للاعتقال، أو الاتصال بأحد خوفا من أن يكون عميلا للاحتلال الإسرائيلي حيث وصف مسودي أفكاره حينها بأنها: ثورية جدا خطيرة ومخيفة (ص72).

دعوة مسودي الصريحة كانت: تنظيم جديد يبدأ بأبناء القادة ثم الشباب المسلم في أسر وتدريبهم للبدء بحركة جهادية. هذه الدعوة - التي تم رفضها من القيادة في الخليل- كانت إيذانا لبداية حالة الانفصال التي تقودها مجموعة من الطلبة الذين عاد بعضهم من الخارج ليؤسسوا مرحلة جديدة من العمل الإسلامي الإخواني في فلسطين. لمعت شرارته تأثُّرا بمنهج وأفكار سيد قطب الحادة الفاصلة بين منهج الحق والباطل والمجتمع الجاهلي والإسلامي، تلك الأفكار التي وضعها قطب لمجتمع واقع تحت حكم أنظمة الكفر -كما يراها-  ليطبقها هؤلاء الشباب، على مجتمع يحكمه الاحتلال بوضوح عدائه وظلمه وحربه ضد المجتمع الإسلامي.

انفصال أو تجديد الفكر والمنهج تبعه البحث عن قنوات جديدة للتواصل مع القيادة الرئيسية خلف النهر (في الأردن)، تبعه الانعتاق من قيادة "الشيوخ" في الداخل الذين قادوا مرحلة ولم يفعلوا شيئا حسب رواية مسودي. وجدت هذه الدعوة أرضية خصبة في مدينة الخليل خصوصا مع ظهور كلية الشريعة واستقطابها لعدد كبير من الشخصيات الإسلامية التي برزت لاحقاً مثل: الشيخ رائد صلاح وغيره. هذه الأرضية أفرزت جيلا جديدا لم يجد من يستوعب طاقاته فأخذ زمام المبادرة.

حسب رواية مسودي، فإن مرحلة الإعداد هذه قد استمرت تقريبا منذ عام 1975م حتى كان قرار مواجهة الاحتلال في 23-10- 1987م. ومع اشتعال شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى كان الانعتاق الكامل من سيطرة الفكر القديم وقيادته لتنطلق (حركة المقاومة الإسلامية – حماس)، كحركة تتخذ "القتال" سبيلا لتحرير فلسطين من دون أن تُغفل العوامل الأخرى الدعوية والاجتماعية والتربوية.

كان هذا الانعتاق من فكرِ الدعوة المجردة والتمسك بأفكار المواجهة الصارمة أول ما التقطته حركة حماس في طريق انعتاقها من فكر الجماعة السلبي، ثم كانت حركة الالتفاف على قيادة الجماعة في الضفة الغربية والانتقال إلى العمل مع الشباب وتأسيس الخلايا والبحث عن قيادة داخل الوطن المحتل. - كان هذا - انعتاقا آخر وأشد صرامة ومواجهة مع "الحرس القديم" الذي كان مستكينا راضيا– بعضه على الأقل- بالعيش في ظلال الأمر الواقع الجديد دون أن يسعى بجد في خلق آليات جديدة للتخلص من الاحتلال أو مواجهته.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل