في مصر تستشعر أن المصريين يعيشون على فيض الكريم، وكلمة فيض الكريم ارتبطت في أذهان المصريين بأن تعيش حياتك كلها بلا تنظيم ولا تخطيط، فكل أمور حياتنا يغلب عليها العشوائية والفوضى، ابتداء من الشارع فلا تجد فيه احتراما لإشارة مرور أو حتى وجود إشارة المرور نفسها، والأمر كذلك في مدارسنا، فلم يعد احترام المدرس أمرا ذا بال عند المصريين أو علو قيم التعليم كقيم للرقي الاقتصادي لمصر، والتعليم في مصر ليس هدفا لرفعة أمة كي تحل مشاكلها الحياتية، بل التعليم مكسب شخصي لرفعة الشخص ماديا واجتماعيا فحسب، فالتخطيط للحياة يغيب عن المصريين سواء كانوا حكاما أو محكومين، ونتيجة للحلقة الأهم في التخطيط تغيب أيضا العناصر الأساسية من تنظيم وتخطيط ومتابعة ومراقبة.
أقول هذا الكلام بعد أن مر عام على المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في آذار/ مارس الماضي، والذي قيل فيه إن مصر مقبلة لا محالة على تدفق مليارات الدولارات، فوفق وكالات الأنباء "بلغ إجمالي الاتفاقيات التي وقعت بالمؤتمر مائة وثلاثين مليار دولار، حيث بلغت قيمة الاتفاقيات التي أسفرت عن توقيع عقود للاستثمار 15 مليار دولار، فيما بلغت قيمة الاتفاقيات الخاصة لنظام التنفيذ والتشغيل والتمويل 18 مليار دولار، وبلغت قيمة المنح والقروض خمسة مليارات ومائتي مليون دولار".
كان هذا بعض من المبشرات التي ساقتها الحكومة لتبشر الناس بالمليارات التي ستنهال عليهم عقب المؤتمر، أين العقود؟ وأين الاستثمارات الأجنبية؟ كلها أكاذيب في أكاذيب.
ولو أدرك المصريون ولو مرة معنى المحاسبة والمراقبة لكان لهم شأن بجوار الأمم، لكن الواقع والسياسة ترسخ أنه لا محاسبة لأحد على الإطلاق، هل خرج أحد من السادة المسؤولين ليعلن للناس ما هي المشروعات التي نفذت في مصر وما هي حجم الاستثمارات التي تدفقت على مصر خلال عام؟ هل خرج أحد من المسؤولين ليوضح لهم الزيادة في حجم الإنتاج القومي والاستثمار أم هذا سر من الأسرار الحربية يخشى من معرفة الأشرار به؟ هل اطلع مجلس النواب على المليارات التي انهالت على مصر؟ كل ما سيعرض على هذا البرلمان شيء واحد هو أن يبصم فقط على الاقتراض والاقتراض فقط، هل تم محاسبة الذين روجوا لهذه المليارات.
إن معنى المحاسبة والمراقبة تغيب تماما عن النظم الشمولية والديكتاتورية، إن السيسي في حواره مع الضباط عبر عن خشيته عن المسألة عن تدفقات الأموال من أين جاءت وأين ذهبت الأموال واستثمارات الجيش، العجيب في الأمر أنهم يحاولون بكل السبل أن يكونوا هم المسؤولين عن كل شيء وبدون محاسبة عن أي شيء.
إن المعنى الوحيد للسلطة، وأي سلطة في مصر، هي احتكار الثروة وتوزيعها على كل من هو لصيق بالسلطة فقط الذي يسبح بحمدها، فهل لك أن تتخيل أن الحكومة التي تعاير مواطنيها ليل نهار بالدعم للبترول والطاقة وتقوم الآن بإلغاء الدعم عن البنزين والكهرباء والغاز والطعام، وفي الوقت نفسه تقوم بزيادة الدعم لمصانع الحديد والصلب، فقد قرر وزير التجارة والصناعة مؤخرا تخفيض سعر توريد الغاز الطبيعي لمصانع الحديد والصلب من 7 دولارات إلى 4.5 دولارات لمليون وحدة حرارية.
وهنا نتساءل هل المنطق أن يدعم الأغنياء من أصحاب الشركات ورجال الأعمال؟ هل المنطق أن تظل الحكومة التي لم تجد من يحنو على هذا الشعب تدعم أغنياءه وتترك فقراءه فريسة للأسعار وللاحتكارات من رجال الأعمال؟ هل القرار أوضح لنا الأسعار العالمية للحديد في العالم وكم سعره في مصر؟ وهل هذه الشركات ستبيع بأسعار مدعمة للسوق المحلي؟ هل حددت الحكومة أجلا زمنيا حتى يتم النظر في تجديد للقرار من عدمه؟ إن أمة اتخذت من "الفهلوة" أسلوبا للعمل من خلال إغراق الناس في الأماني والأحلام الوردية بطبيعة الحال سيكون المآل على كوارث لم نكن نحلم بها كأزمة تجاوز سعر الدولار كل التوقعات حتى أصبحنا أضحوكة العالم بأيدينا.
2
شارك
التعليقات (2)
واحد من الناس ... إوعوا تفرطوا في الشرعية ... إوعوا حد يسرقها منكم
السبت، 19-03-201607:18 ص
فالشرعية هي سبيل مصر للخلاص من هذا الكابوس ... فبرجوعها تسقط كافة الاتفاقات التي ابرمها هذا الجحش و تعود لمصر كافة حقوقها في النيل و حقول الغاز و غيرها..... و برجوع الشرعية تعود لمصر كل شولة الأرز التي نهبها الجحش و عصابته.... و برجوع الشرعية ممكن نقاضى الدول التي دعمته و نطالبها بتعويضات تخرب بوت ابوهم و تعمر مصر
السيد ابوصالح
الثلاثاء، 15-03-201604:39 م
والله هما عارفين المشكلة فين لكن السرقة والنهب مخلياهم عايزين يعيشوا كده