اتهامات نظام السيسي في مصر لحركة حماس بالتورط في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، تمثل فصلاً جديداً من "التهريج"، ومحاولة جديدة لتطبيق فكرة ميكيافللي في الحكم، التي تقوم على اختلاق عدو خارجي، وافتعال تهديد من الخارج يخيف المواطنين فيدفعهم للالتفاف حول "القائد الأوحد" و"الزعيم الملهم"، والالتفاف على نظام الحكم، رغم علاته وعيوبه.
النظام في مصر استخدم –ولا زال يستخدم- الميكيافللية منهاجاً للحكم، ولمن لا يعرف فالميكيافللية هي جملة النصائح التي كتبها المفكر السياسي الإيطالي نيقولا ميكيافللي في كتابه الشهير "الأمير"، وألقى بها على وجوه الحكام المستبدين مقدماً لهم الوصفة الشافية الكافية للحفاظ على عروشهم ومواصلة الاستئساد على شعوبهم، ومن بين هذه النصائح الموجهة للحاكم: "كلما شعرتَ بأزمة داخلية تهددك، فافتعل أزمة خارجية، واختلق عدواً بعبعاً يخيف الناس، ليلتفوا حولك ويؤيدوا حكمك وسلطانك".
لا يمكن أن يكون الاتهام المصري لحركة حماس منطقياً أو صحيحاً، ولا يمكن التعاطي معه إلا في سياق أنه للاستهلاك المحلي فقط، ذلك أنه من المعروف لدى أي مراقب للشأن الفلسطيني أو دارس له، أو حتى مُلم بحركات النضال الفلسطيني، أنه لا يوجد أي فصيل فلسطيني أو ناشط فلسطيني نفذ أي عملية عسكرية خارج الأراضي الفلسطينية، منذ أكثر من ثلاثة عقود، بما في ذلك عمليات استهداف الإسرائيليين أنفسهم، أما حركة حماس فلم تطلق رصاصة واحدة خارج الأراضي الفلسطينية منذ تأسيسها في أواخر عام 1987 وحتى الآن، بما في ذلك التزامها الواضح والمعلن بعدم استهداف الإسرائيليين خارج الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن عدم التدخل في أي صراعات سياسية أو عسكرية في الخارج، وهو الأمر الذي يدفع الى الاعتقاد بعدم صحة الاتهام المصري بالتورط في اغتيال بركات.
وبالمناسبة، فلو كان لدى حركة حماس قابلية للتدخل في شؤون الآخرين، أو كان لديها قرار بذلك لكان الأولى أن تتدخل في الصراع الدائر في سوريا، وهو الصراع الذي كبد الحركة ثمنا باهظا واضطرها للخروج من البلاد بشكل كامل، فضلاً عن أنه صراع تسبب بخسائر فادحة للاجئين الفلسطينيين، ومع ذلك فهذا لم يدفع الحركة للانخراط فيه. ورغم أن فكرة "الميكيافللية" تُفسر جزئياً كيف ولماذا يقوم النظام في مصر بالتهويل من خطر حركة حماس، وقطاع غزة، وأيضاً تفسر كيف يتم استثمار "ولاية سيناء"، والإرهاب، وخلاف ذلك من المخاطر، إلا أن الاتهام الأخير لحماس بالتورط في اغتيال هشام بركات يحمل جملة من الدلالات المهمة:
أولاً: تضطر أجهزة الأمن في مصر لتلفيق الاتهام لحركة حماس باغتيال بركات، بعد أكثر من ثمانية شهور على ارتكاب الجريمة، ما يعني أن أجهزة الأمن فشلت في نهاية المطاف في تحديد الفاعلين طوال تلك المدة، وأغلب الظن أن التحقيقات انتهت الى لا شيء، وهو ما يُسبب حرجاً بالغاً لجهاز أمني يريد "تقفيل القضية".
ثانياً: اتهام الإخوان المسلمين بتدبير عملية اغتيال بهذا الحجم وهذه الامكانات، وهو الاتهام الذي كان يجري الحديث عنه طوال الفترة الماضية، يسبب حرجاً كبيراً للنظام في مصر، إذ سيكون السؤال حينها: كيف تمكن الاخوان من ترتيب عملـــية بهذا الحجم، وقادتهم في السجون الى جانب أكثر من 40 ألفاً من كوادرهم؟ لذا لجأ النظام الى اتهام جماعة مرتبطة بالإخوان، وهي حركة حماس التي يسود الاعتقاد بأنها "ابنة جماعة الإخوان".
ثالثاً: يريد النظام في القاهرة بين الحين والآخر إشعال الخوف لدى المصريين من عدو خارجي، على قاعدة "الميكيافللية" التي أشرنا لها، حيث إن وجود تهديد من الخارج يدفع الناس بالضرورة للالتفاف حول النظام في الداخل.
والى جانب هذه الدلالات والإشارات التي يمكن قراءتها من الاتهام المصري لحركة حماس، فإن أكثر ما نخشاه هو أن يندرج هذا الاتهام في سياق تحريض مدروس ضد قطاع غزة، يبرر أي تدخل محتمل في القطاع مستقبلاً، على قاعدة أن حركة حماس ارتكبت جريمة في مصر، وأن النظام يريد القصاص، وصولاً إلى توريط الجيش المصري في مغامرة عسكرية ضد القطاع تمثل في النهاية أكبر خدمة يتم تقديمها لإسرائيل.
خلاصة القول، إن تورط حماس في اغتيال بركات، أو في اقتحام السجون من قبل، أو في أي عمل عسكري أو نشاط سياسي في مصر أو غيرها أمر مستحيل، ولا يمكن تصديقه، لكن السؤال المهم ليس فيـــما إذا كان الادعاء صحيحاً أم لا، وإنما في الهدف من وراء هذا الادعاء، وما إذا كان تمهيداً لأمر ما يتم تدبيره ضد القطاع.