مقالات مختارة

عملية إربد: بواعث القلق والاطمئنان أيضا

حسين الرواشدة
1300x600
1300x600
كتب حسين الرواشدة: ما حدث في إربد ليلة الأربعاء أقلقنا وأثار مخاوفنا، لكنه طمأننا ولم يفاجئنا أيضا. بواعث القلق بالطبع مفهومة، فقد استمرت المواجهات بين رجال الأمن وبين "عصابة الخارجين على القانون" طيلة ساعات الليل، وأسفرت عن استشهاد البطل راشد الزيود رحمه الله ومصرع سبعة من المطلوبين، وفيما لم نعرف بعد، بشكل رسمي، هوية هؤلاء الأشخاص، ولا من يقف وراءهم، ولا عدد أفراد الخلية التي ينتظمون فيها، ولا من أين جاءوا، ولا كيف تمكنوا من الحصول على هذا الكم من الأسلحة والمتفجرات، فإن نجاح العملية طمأننا على جاهزية قواتنا الأمنية وقدرتها على الرصد والمتابعة وكفاءتها في مواجهة مثل هذه العصابات وإفشال مخططاتها، كما طمأننا أيضا على "عافية" مجتمعنا الذي عبّر بوضوح عن رفضه لمثل هذه الأعمال الإجرامية، ووقوفه جنبا إلى جنب مع جيشه ومؤسساته للحفاظ على أمن البلد والتضحية من أجله بكل ما يستطيع.

بواعث القلق -إذا- تتعلق، على الأقل، بثلاث مسائل: الأولى هي قدرة هذه العصابة (خاصة وأن المعلومات الأولية تشير إلى أن المتورطين فيها يحملون الجنسية الأردنية) على التسلل إلى مجتمعنا، والتمكن من إيجاد حواضن اجتماعية فيه، حتى لو كانت ضيقة ومحصورة، لتنفيذ مخططاتهم. 

أما المسألة الثانية فهي أن "التربة " الفكرية التي خرجت منها هذه العصابة -إن صحت المعلومات- محسوبة على خط "السلفية الجهادية" التي ينطلق منها تنظيم داعش الإرهابي؛ ما يعني أن هذا التنظيم الذي يحظى بتعاطف عدد من أبنائنا (بعضهم التحق به وبعضهم ما زال بيننا) انتقل من دائرة الجذب والتعاطف إلى دائرة "التمدد" والفعل المباشر، كما يعني أن بلدنا أصبح هدفا مباشرا له، ومع التقدير والاحترام لدور أجهزتنا الأمنية في مراقبة وضبط مثل هذه الخلايا الإرهابية، إلا أن لدى هذا التنظيم الخبيث -كما نرى من حولنا- ما يمكن أن يفاجئنا به؛ ما يقتضى منا المزيد من الحيطة، ليس أمنيا فقط وإنما في كل المجالات التي من شأنها أن تقطع عليه الطريق وتجفف ينابيع التطرف والتشدد داخل مجتمعنا أيضا.

أما المسألة الثالثة التي تثير قلقنا فهي أن العملية جاءت في سياق تزامن مع تهديدات متكررة سمعناها من مسؤولين في دول مجاورة، وكانت "فجة" بما يكفي لاستفزاز مشاعرنا وهواجسنا أيضا، كما أنها تزامنت مع اشتعال المواجهات بالقرب من حدودنا الشمالية مع سوريا، ومع اقتراب ساعة الحسم بين الروس والنظام السوري من جهة وبين نحو "40" من المقاتلين الذين ينتسبون لتنظيمات مختلفة -أبرزها داعش والنصرة- من جهة أخرى؛ ما يعني أن توقيت العملية كان دقيقا ومقصودا، كما أن رسائلها تبدو مفهومة وحازمة وموجهة لأكثر من طرف، أما دلائل نتائجها فتحتاج إلى مزيد من التدقيق، ومن المبكر الخوض في ذلك. 

حين ندقق في بواعث القلق نجد أن بلدنا يتعرض لمخاطر جدية، ربما يكون عنوانها "الإرهاب" لكنها تتمدد على أرضيات وخلفيات وأهداف أخرى متعددة، وأعتقد أن كثيرين ممن حولنا لا يريدون أن يبقى الأردن "استثناء" وسط هذا المحيط الملتهب، كما نجد أن المرحلة القادمة تتطلب منا أن نفتح عيوننا أكثر لأن ساعة الحقيقة في هذه المنطقة دقّت فعلا، وعلينا أن نتوقع بان "شرر" النيران سيصلنا. نجد -أيضا- أن مجتمعنا تعرض على مدى السنوات الماضية لموجات من "اللجوء" كانت محمّلة بأصناف من الإرهابيين والمتطرفين، أو على الأقل بأشخاص مدفوعين لهم مصلحة في تقويض أمننا، كما تعرض لظروف صعبة تسببت في بروز طبقة من المهمشين الذين لديهم قابلية على الوقوع في فخ التطرف والإرهاب. 

وفي موازاة ذلك، ما زلنا مترددين في مواجهة "تيارات " متشددة نجحت في التمدد داخل مجتمعنا، وأصبح لها نفوذ ومريدون، وحتى حين اعترفنا بأن لدينا "معجبين " بها، ولدينا كذلك مقاتلون معها للأسف، ومنظّرون لها، فإننا لم نتحرك كما يجب لمواجهة هذه الحقيقة ولم نفعل ما يلزم لمحاصرة هؤلاء ومنع امتداد أخطارهم المحدقة. 

اكتفي -هنا- بالإشارة إلى بواعث القلق، وأكمل في إطارين: 
الأول، أن ما حدث لم يفاجئنا لأن ما يجري من حولنا من فوضى وحروب عابر للحدود والجغرافيا، ويفترض أننا نتوقع أن تصلنا بعض ارتداداته، فنحن -بالتأكيد-  في عين هذه العاصفة التاريخية، كما أننا هدف مباشر للتنظيمات الإرهابية، وتحديدا داعش،  لم يفاجئنا أيضا؛ لأننا اصبحنا في "الربع" ساعة الأخير من مارثون التصفيات النهائية التي ستشمل سيناريوهات مخيفة، منها الحرب البرية، والتقسيم، ومنها تحديد من هو المنتصر والمهزوم، وتسديد فواتير الحرب ..الخ. وسواء أكنا طرفا لاعبا في هذا المارثون أم إننا لم (ولن) نشارك فيه، فان نتائجه ستصلنا، وليس بمقدورنا إلا أن نستبقها بما يلزم من مقاومة، وأن نتعامل بما يجب من حيطة وحزم ومواجهة. 

أما الاطار الثاني، فهو أن هذه العملية التي قدّم فيها رجال الأمن، بمختلف مؤسساتهم، أنموذجا رجوليا يستحق الإعجاب والامتنان أيضا، فتحت عيوننا على الصورة المشرقة لمجتمعنا، حيث استيقظنا جميعا على "مجتمع" يتوحد  في الأزمات ليدافع عن وطنه، ويعتز بتضحيات رجالاته،  وكل ما أتمناه أن تكون ذبذبات هذه الصورة وصلت لمن يهمهم الأمر، لكي تحركهم نحو الاستثمار في هذا المجتمع، ورد التحية عليه بمثلها أو بأحسن منها. 
0
التعليقات (0)