قضايا وآراء

اتجاهات التغيير في المشهد الدولي.. إلى أين يتجه عالمنا؟

علي البغدادي
1300x600
1300x600
بات شيئا متداولا في الأوساط الإعلامية الحديث عن تحولات كبرى نعيشها في عالم اليوم، وهذا بلا شك حديث واقعي فالعالم الآن يعيش في مرحلة تحولات كبرى وهو على وشك توديع حقبة من تاريخ البشرية وعلى مشارف استقبال حقبة جديدة، تلك مقاربة يجب إدراكها لمن يريد أن يفهم المشهد الدولي وتعقيداته خصوصا جيل التغيير الواعد من الشباب فهم معنيون بالدرجة الأولى بفهم الواقع أولا ثم الاستفادة من تناقضاته فيما يخدم مشروعهم.

العالم كله في أزمة وهذه الأزمة تستدعي تغييرات كبرى ربما لم يشهدها العالم منذ مائتي سنة عندما قام نابليون بعد الثورة الفرنسية بتغييراته السياسية والاقتصادية والديمغرافية التي أثرت في أوربا وأرسى نظما ومفاهيم لا تزال حاضرة إلى اليوم.

وجدير بالقول إن العالم المتغير دائما شهد في تاريخه أزمات متعاقبة إلا أن أزمته هذه المرة أكثر عمقا لسببين: أولهما أن العالم أصبح أكثر اتساعا واتصالا فبالتالي التغيير سيشمل الكرة الأرضية كلها، وثانيهما أن معدلات التغيير الزمنية أصبحت أكثر تسارعا، وأعمار الدول والإمبراطوريات صعودا وأفولا أصبحت أقصر من ذي قبل.

كل شيء أصبح ممكنا ومتوقعا، ولا يجب استبعاد أي فرضية بما في ذلك اندلاع حرب عالمية جديدة، والنصيحة التي يجب أن ندركها هي: أن نكون مستعدين للمفاجآت.

لكن دعونا نبسط المسألة ونتحدث بشكل أكثر تحديدا عن اتجاهات التغيير العالمية، التي نعتقد أنها السبب في رسم مستقبل العالم، وهي:

أولا: الانتقال التكنولوجي من الجيل الخامس إلى الجيل السادس

يقسم المؤرخون التاريخ البشري العلمي إلى أجيال منذ أن بدأ الإنسان باستخدام الجيل الأول المكون من الآلات البدائية كالفأس والسكين، والمقصود بالجيل الخامس هو الإلكترونيات والموصلات والكمبيوتر وكيمياء البوليمرات وقد وضعت أسسه في الثلاثينات من القرن الماضي، والعلماء اليوم يتحدثون عن الانتقال للجيل السادس القائم على تقنية النانو وعلم الأعصاب حيث يجري العمل على التحكم بالإنسان من خلال شريحة إلكترونية، وقد بدأت تطبيقات النانو تأخذ طريقها عمليا في الاقتصاد الأمريكي، ولكن ما علاقة هذا بالتغييرات في العالم؟

إن النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العالم مبني على الجيل الرابع والخامس، وهذا الانتقال إلى جيل جديد سيكون له أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية أيضا تماما كما كانت سلعة الفحم هي الأولى في العالم قبيل الحرب العالمية الأولى بسبب استخدامها في الآلات البخارية، ثم أخذ النفط مكانها في الحرب العالمية الثانية وأصبح من يسيطر عليه يسيطر على العالم.
 
ثانيا: الأزمة البنكية وبنية الاقتصاد الرأسمالي

هزت الأزمة الاقتصادية في عام 2007 - 2008 العالم، خصوصا المؤسسات البنكية التي كانت المسبب الرئيسي للأزمة، فالأزمة كانت بنكية في المقام الأول وليست اقتصادية، بمعنى أن حقيقة الأزمة لم تكن ناتجة عن ندرة في الموارد الاقتصادية في العالم، بل عن الفجوة بين رأس المال الحقيقي والوهمي بسبب المعاملات البنكية ونظام الدين والسداد وهي أزمة بنيوية في النظام الاقتصادي الرأسمالي، والخبراء الاقتصاديون يقدرون إجمالي الناتج العالمي ورقيا بـ 350 تريليون دولار فيما يقدر الناتج العالمي الحقيقي بـ65 تريليون دولار، وهذه الفجوة الضخمة تعني أننا مقبلون في السنوات المقبلة على أزمة اقتصادية كارثية جديدة، تبدو معها الأزمة السابقة متواضعة. 

ثالثا: ميزان القوى الدولي

بنيت المؤسسات السياسية الدولية وفق توازن القوى الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، وما نشهده في السنوات الأخيرة من تهاوي لهذه المؤسسات المختلفة وكذلك تراجع للقانون الدولي مؤشر على تغير في اتجاه السياسة الدولية، وتأثيرات هذه التغييرات تزداد حدة في مناطق الصدام، لقد انهارت تماما منظومة أوروبا الشرقية التي أقيمت بعد الحرب، وأحداث أوكرانيا والقرم شاهدة على ذلك، وما نراه في منطقتنا من بداية انهيار منظومة سايكس بيكو وسان ريمون هو أحد تداعيات هذا التغيير في توازن القوى الدولي، لقد تفتت بلدان عربيان مهمان هما العراق وسوريا، وما لا يريد العرب أن يسمعوه هو أن هذه الدول لن تعود وهذه الحدود قد زالت إلى غير رجعة، والتغييرات ستؤدي إلى خريطة جديدة للمنطقة والعالم.

إن تهاوي المنظومة الدولية يعود بشكل مباشر إلى تغير ميزان القوى العالمي وإلى إعادة تشكيل تحالفاته، وبرصد ميزان القوة للدول الكبرى في العالم سنرى أن الولايات المتحدة لا تزال تحظى بنصيب الأسد لكن منحنى قوتها في تراجع منذ نهاية التسعينات، بينما منحنى الصين في تصاعد خصوصا ما يتعلق بمعدلات التنمية، ولا شك بأن القوة الاقتصادية سيتبعها قوة سياسية وعسكرية، كما أن منحنى روسيا تصاعد بشكل ملفت منذ أن استلم بوتين رئاستها، بينما يتراجع منحنى ميزان قوة الاتحاد الأوربي. وفي عالمنا الإسلامي نجد تصاعدا لدول أصبحت ذات وزن إقليمي ودولي مثل إيران وتركيا.

وكما أن ميزان القوى يتغير فإن التحالفات أيضا تتغير ونحن نشهد الآن بداية تشكل منظومة تحالف دولي بين إيران وروسيا والصين في مقابل تحالف الناتو المشكل أساسا من أمريكا وأوروبا، وإذا استمرت وتيرة الأزمات الدولية فإن دول العالم ستكون متذبذبة بين هذا الحلف أو ذاك.

رابعا: الغموض الاستراتيجي

يكاد يوجد شبه إجماع بين المفكرين الاستراتيجيين الدوليين على أن هناك حالة من (الغبش) الاستراتيجي تحول دون استشراف المستقبل والتكهن بمصير النظام العالمي، هذا الغموض يعتبر سببا رئيسيا من أسباب حالة الفوضى التي تعيشها منطقتنا العربية ويعيشها العالم أيضا معنا، فإذا كان مفكرو الولايات المتحدة التي تمتلك أعظم العقول ومراكز التفكير يعترفون بحالة انعدام اليقين الاستراتيجي عندها فكيف هو الحال بالنسبة لبقية دول العالم؟ إن العالم يعيش أزمة فكرية عميقة ولا نكاد نجد بلدا لا يعاني من شرخ في النخب الفكرية فيه بدءا من الصين إلى الولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى الغموض الاستراتيجي يوجد تيهان فكري. لقد انتهت الأيديولوجيات المعروفة عالميا والتي سادت في العشرينات والثلاثينات من القرن المنصرم .. لقد انتهت الأيديولوجية الفاشية والنازية واليابانية والماركسية، واختفى مبدأ روزفلت، انتهى التنافس بين هذه النماذج الأيديولوجية لندخل مرحلة غموض أيديولوجية سميت عالم (ما بعد الأيديولوجيا)، وهذا مما يزيد الغموض غموضا فالأيديولوجيا تساعد على استشراف المستقبل وفقا لرؤيتها أو حلمها، لكننا نعيش الآن عالما لم يعد للأيديولوجيا موقع فيه.

خامسا: الحرب العالمية الثالثة

لو تحدث أحد قبل عشر سنوات عن احتمالية قيام حرب عالمية ثالثة لاتُهم بالمبالغة أو الجنون، أما الآن وخصوصا بعد تعقيدات الأزمة السورية أصبح الحديث عن الحرب العالمية الثالثة مطروحا بشدة ويتداوله المحللون وتعقد من أجله البرامج التلفزيونية، النقطة المفصلية هنا أن الخبرة التاريخية تقول إن أغلب الأزمات والقضايا المعقدة تحل بالحرب، لذلك فالحرب هو الحل لإعادة التوازن الدولي. 

وإذا اتفقنا على أن العالم يمر بتغييرات ضخمة على المستوى السياسي والاقتصادي والتكنولوجي والأيديولوجي لها انعكاساتها القوية على مستقبل العالم، وإذا استرجعنا خبرة 300 سنة ماضية فإن العالم يسير بشكل تلقائي نحو الحرب العالمية الثالثة، هذا ما حدث في أوروبا قبل قرنين من الزمان عندما ظهرت إمبراطورية نابليون التي انتهت بهزيمة واترلو وهذا ما حدث في الحرب العالمية الأولى، بل إن الأزمة الاقتصادية الكبرى التي وقعت في عام 1929 -فيما سمي بالركود الكبير- لم تنته إلا في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي أعادت تشكيل العالم.

وليس بالضرورة أن تكون الحرب العالمية الثالثة بالشكل التقليدي المعروف، فقد تكون حربا شاملة، وقد تكون سلسلة حروب إقليمية، وقد تأخذ أشكالا جديدة من المواجهات، بل إن هناك من يرى بأن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل دون إعلان.

ختاما: لا نستطيع بمقال مختصر أن نحيط بهكذا موضوع من جميع جوانبه، ولعلنا نكمل في مقال قادم الحديث حول موقعنا كأمة إسلامية في هذا التغيير الدولي الكبير.
1
التعليقات (1)
Mohamed sy
الأحد، 21-02-2016 10:21 م
لن يدوم إلا نظام الخالق العليم الخبير