يوم الأحد 27 كانون الأول (ديسمبر) 1875 تأسست جريدة «الأهرام» المصرية، واحتفلت أم الصحافة المصرية بمرور مئة وأربعين سنة من عمرها كمؤسسة، يوم الأحد الماضي. صدر العدد الأول منها في 5 آب (أغسطس) 1876، وهي بدأت صحيفة أسبوعية تصدر كل يوم سبت، وتحولت بعد شهرين على صدورها إلى يومية.
إذا جاء ذكر جريدة «الأهرام» يجري الحديث عن فضل الرائدَين اللبنانيَّيْن بشارة وسليم تقلا، اللذين أسسا أعرق الصحف العربية. والحقيقة أن الأخوين تقلا كان لهما دور مهم في مسيرة «الأهرام»، لكن الذي يغيب عن أذهان كثيرين هو أن المناخ الذي كانت تعيشه مصر مكّنهما من هذه الريادة. وما يقال عن «الأهرام»، قيل لاحقا عن الصحافة الكويتية، وصار بعضهم يصفها بـ«صحافة تصدر في الكويت»، على اعتبار أن جُلّ العاملين فيها في البداية كانوا من جنسيات أخرى عربية. لكن هؤلاء الصحافيين ما كان لهم أن يمارسوا دورهم، على النحو الذي مارسوه، من دون مناخ سياسي وثقافي كالذي تعيشه الكويت.
المفارقة غير السارة أن احتفال «الأهرام» بمئة وأربعين عاما على تأسيسها يأتي في ظل مناخ صحافي مصري لا يذكّر بنشأتها. بل إن بعض الأجيال العربية الجديدة عبّر عن دهشته، حين عرف أن الشعب المصري كان يقرأ صحفا قبل مئة وأربعين سنة، وهو يرى مستوى بعضها اليوم. فرّط بعض الصحافة المصرية بتاريخه، وتهاون في حماية موقعه ومجده، فتدهور حال الصحافة في بلد أصدر صحفا قبل أن ينشأ بعض الدول العربية، وشهد حركة مسرحية قبل نحو قرنين من الزمن.
في مقال نُشِر في «الشروق» المصرية بعنوان «أزمة مهنة أم نخبة؟»، يقول كاتبه فهمي هويدي إن «الإعلام المصري أصبح سيئ السمعة، ليس في الداخل فقط، وإنما في العالم العربي والخارجي أيضا». ويضيف قائلا: «صحيح أن الصحافة المصرية تعاني التدهور والهبوط بما يدعو إلى الأسف، ولكن ينبغي أن نعترف بأن الأداء التلفزيوني كارثي بما يدعو إلى الخجل».
التدهور الذي تحدّث عنه هويدي لم يعد حكرا على الصحافة المصرية، بل صار مشكلة عربية عامة. هل أصبحت هذه الصحافة قدوة في الحالين، في الصعود والتدهور؟ يصعب تحميل ريادة المصريين خيبة الآخرين، لكن الضعف الذي أصاب عجلة الصحافة المصرية العريقة خلق حالا من عدم الاكتراث بالمستوى المتدني لصحف أخرى عربية، ومهما قيل عن غياب دور المصريين في الريادة الناعمة، فإن تأثيرهم باق. وإذا استمر حال التدهور الذي تعيشه صحف مصر، فإن الأمل بتطوير مهنية الصحافة الأخرى العربية، سيكون بعيد المنال.