إذا ما صارت اللحية أو النقاب سببا للاشتباه ومصدرا للشك والاتهام، فإننا نصبح على بعد خطوة واحدة من الإسلاموفوبيا. وهي الحالة التي في ظلها تعد بعض مظاهر التدين عند المسلمين خطرا يبعث على الخوف ويهدد الأمن، وهو ما يرشح مصر للانضمام إلى دول القمع والقهر على الهوية.
صحيح أن ذلك المنطوق لا يخلو من مبالغة وغلو، إلا أنني لم أستطع أن أكتمه بعد الذي قرأته في صحف الخميس الماضي 10/12 واعتبرته مقدمة لهذا الذي ذكرت. فقد في صحيفتي «الوطن» و«المصري اليوم» الصادرتين يومذاك، على خبر مفاده أن وزارة التربية والتعليم أصدرت تعليمات مشددة إلى جميع مديريات التعليم بضرورة حصر أسماء المعلمين الملتحين، والمعلمات المنتقبات، بحيث يحدد اسم كل منهم ورقمه القومي ومحل إقامته، إلى جانب طبيعة العمل الذي يؤديه. «للتحري عنهم أمنيا من جانب أجهزة وزارة الداخلية واستبعاد المتشددين منهم»، حسبما ذكرت جريدة «الوطن» التي نقلت عن مسؤول بالإدارة المركزية للأمن بالتعليم، قوله إن وزير التربية والتعليم أصدر تعليمات «واضحة وصريحة» باستبعاد أي من المعلمين، والمعلمات التي يثبت تورطهم في نشر أفكار متطرفة خلال عملهم. باستبعادهم عن تدريس مناهج الوزارات. (لاحظ أن الخبر أشار في بدايته إلى استبعاد المتشددين، وفي موضع آخر تحدث عن استبعاد من يثبت تورطهم في نشر أفكار متطرفة خلال عملهم).
جريدة «المصري اليوم» أكدت الخبر وأضافت في التفاصيل أمرين؛ الأول كان تبريرا ساذجا ومضحكا نقل عن مدير إدارة الأمن بمديرية التعليم بمحافظة القليوبية قوله، إن الإحصاء الذي يجري في هذا الصدد «عادي» والهدف منه استكمال قاعدة البيانات، ولا يخص السياسة (!)ـ الأمر الثاني أن المسؤول الأمني ذكر أن تحويل أمثال هؤلاء المعلمين أو المعلمات بعيدا عن التدريس ونقلهم إلى أعمال إدارية، تم في محافظات الجيزة والشرقية والقليوبية. بعدما أثبتت التحريات الأمنية أنهم ينتمون إلى جماعات متطرفة.
أعترف بأنني لم أصدق الخبر حين قرأته لأول مرة، فأعدت قراءته مرة ثانية ثم طابقته على ما نشر في هذه الصحيفة وتلك، ولم أصدق مضمونه إلا حين وجدت الكلام منسوبا إلى مسؤولين في وزارة التربية والتعليم، الأمر الذي دفعني إلى ترجيح صحته. وهو ما يسوغ لي إيراد عدة ملاحظات هي:
- إننا لم نلحظ همّة ولا نشاطا يذكر لوزير التربية والتعليم في مجال النهوض بالتعليم أو رفع كفاءة المدرسين أو توفير احتياجات المدارس. وبدا من الواضح أن الجهد الأمني في الوزارة بات متقدما على الجهد التعليمي. ووجود إدارة مركزية للأمن داخل الوزارة من القرائن الدالة على ذلك.
- إن هذا الاتجاه يعني أن تقييم المدرسين، والمدرسات لم يعد يقاس بكفاءة كل منهم وتفوقه في عمله، ولكن الاعتبار الأهم بات موجها حول مظهره وزيه (اللحية والنقاب)، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان فكرة «القمع على الهوية».
- إنه ربما كان مفهوما أن تتخذ الإجراءات بحق النشطاء المنتسبين إلى الإخوان بسبب الصراع السياسي القائم، لكن الحاصل أن الدائرة اتسعت بمضي الوقت بحيث شملت بقية المنتسبين إلى الجماعات الإسلامية، وبهذا التطور الأخير فإن إجراءات الإبعاد والإقصاء استهدفت جميع المتدينين الذين يطلقون لحاهم، أو اللاتي ينتقبن اقتناعا بآراء موجودة في بعض مجتمعات المسلمين.
- إن هذا الإجراء حتى إذا اقتنعنا بالحاجة إليه، يعبر عن درجة ملفتة للنظر من الكسل الأمني؛ إذ بدلا من البدء بملاحظة الأفراد ومراقبة المشكوك فيهم أو التثبت من تورطهم في نشر الأفكار المتطرفة، فإن الجهاز الأمني أصبح يستسهل إقصاء كل ملتح أو منتقبة بلا استثناء، أخذا بالأحوط!
- إذا اعتبرت اللحية أو النقاب مصدرا للشك والاشتباه فلا نعرف متى يمكن أن تتسع الهستيريا لتشمل «الزبيبة» على الجبهة أو الحجاب، الأمر الذي يفتح الباب واسعا للادعاء وتوسيع دائرة الاتهام بحيث تشمل كل من ظهرت عليه علامات التدين في وظائف الدولة الأخرى.
- حين يتزامن ذلك الإجراء مع حالة العداء للإسلام التي تروج لها الاتجاهات اليمينية في أوروبا والولايات المتحدة، فإنه يعد عنصرا مشجعا لممارساتهم التي باتت تحارب المساجد، وتلاحق المحجبات في الشوارع وتعاقب المنتقبات؛ إذ من حق هؤلاء أن يستشهدوا بما يحدث في مصر لتبرير تلك الممارسات. وسيكونون معذورين في ذلك لا ريب.
- ثم ألا يفتح ذلك الباب للحساسية والتندر؛ حين يقال إن المدرسين المسلمين وحدهم المحظور عليهم إطلاق لحاهم، حتى إذا كانوا يقومون بتدريس اللغة العربية والدين، في حين أن القسس العاملين في المدارس التابعة للكنائس وحدهم الذين يباح لهم ذلك؟
ليست المشكلة في اللحية والنقاب لأن ما هو أهم وأخطر في الاثنين هو تغول العقلية الأمنية، وتحويل أجهزة الدولة إلى أذرع للمؤسسة الأمنية، ناهيك عن أنها باتت تلجأ إلى إجراءات بطش غير مبررة وتتعامل مع القضايا الشائكة بنهج يفتقد إلى المهارة والرصانة.