مدونات

الواشي والجلاّد.. و"أنا"!

مقال
مقال
رأيت فيما يرى النائم في الليالي البيض، وكأنّي أعيش في مدينتي الصغيرة-نصرالله- التّي تستوطن سفح جبل شراحيل، التي غادرتها منذ تسعينيات الجمر بعد انتخابات مزوّرة، لمواصلة تعليمي الجامعي، أنّ واشيا من ذوي الطبائع الزئبقية معدنا والحلزونية تشكلا وزحفا في قريتي قد حمل مسرعا "وما خفّ حمله" وشاية عنّي (غنيمة بالنسبة له) إلى المركز، مفادها أنّي قلت كلاما جهريّا وبين جُلاّسي فيه معارضة لسلطتنا المنتخَبة حديثا.. 

فترجّلت مسرعا له، صوب حفل ختان ابنه الذي جمع له من تطيب روحه في الولائم ومن يحلو مذاقه في المآكل والمشارب، وله في كلّ احتفالية فنون الأقاول والأزاجل والمدائح وفن التداول، وفي الطريق اعترضني صديق وصاحب سجن أثناني عن سعيي المتسرّع هذا وأقنعني بالذهاب مباشرة للمركز، ومحاولة الاستفسار عن السلوك المعيب الذي راهنت الثورة على قبره كما اعتقدنا بقبر الاستبداد من أرضنا نهائيّا. 
      
وبوصولي، أخذني جلادي (أعرف سحنته وصوته واسمه) بين يديه واستضافني معه ثلاثة (أيّام)، وفي القاع المظلم من المركز أذاقني ما لذّ وطاب بيديه "الشريفتين"!! 

ووفّر الإقامة والأكل والشرب مجانا على حساب دافعي الضرائب، ولمّا أطلق عنان ساقيّ هدّدته بالفضح والشكوى إلى الهيئة المنصّبة حديثا، التي تتنازع أعمالها المنتديات والمؤسسات والوكالات.. عندها استلطفني رغبة منه في إزالة بعض الغبار الأسود من ذاكرتي، بل شحذها بأن ذكّرني بجلاّدي الأوّل زمن الجمر( في التسعينيات)، وطلب مرافقتي حتى يوصلني آمنا إلى محطة النقل الريفي بعد المرور بالسوق، وفي الطريق اعترضني صاحبي إيّاه المذكور سابقا، فسلّم علينا، أنا وجلاّدي، وطلب جلاّدنا منه مرافقتنا ومؤانستنا.. 

لكن الذي علق في ذاكرتي من نهاية الحلم، أنّ الجلاّد تحوّل إلى أنثى لطيفة بأظافر بلاستيكيّة تنثر مغرياتها وغواياتها أمام رؤانا.. 

وانتهت المرافقة بأن تكبّد صاحبي عناء ومصروف زواجه السرّي (غير العُرفي) من أختها، مع مواصلة مراودة ذاكرتي الجريحة وفصلها ولو قسرا عنّي.. وعلى نهايتها استيقظت على بكاء ابني الذي يطلب الرضاعة، فاستعذت واستغفرت وحمدت بعد أن تأكّدت بأنّه مجرّد أضغاث حلم راودني كلّما ساح بي الفكر في "طبائع استبداد" بلاد العُرْبِ، طوال التاريخ الماضي القبلي والعائلي والحاضر القطري الواهن والبطائني (من البطانة)، الذي استبطن استبداد الماضي بين ثنايا مخرجاته وتخريجاته وتصريحاته وهندساته الفئوية والأخطبوطية.

ولم يطل بذاكرتي الجريحة الانتظار، حتى خرج علينا السلطان مستعجلا و"منتبها حسّاسا" ليعلن على المسامع تركيبته العتيدة، التي ضغطت مكوّناتها على جروح الذاكرة الحيّة، استحضرت على شخوصها آلام الماضي في ظل التواطآت المعلنة والسريّة، والتحالفات المركّبة من أجل حشر ذاكرة بعض الشخوص ما بين الجدران والغرف المعطّنة.
  
ملاحظة: يمثّل الأنا وصاحبي، كلّ المقهورين والمستضعفين في وطن العرب، أما الواشي والجلاد يمثّل كل من يتمثّل السلطة في وعيه ولاوعيه ويتمثّلها في سلوكه.
1
التعليقات (1)
ريم مار
السبت، 21-11-2020 03:11 ص
بحبك كتير يا نور ويارا الله يحفظكون