البرلمان التركي يختار اليوم رئيسه الجديد، ويتنافس في الانتخابات التي يدلي فيها النواب بأصواتهم أربعة مرشحين من أحزاب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي.
لم يحصل أي من المرشحين في الجولتين الأولى والثانية اللتين أجريتا أمس الثلاثاء على 367 صوتا، وبالتالي، فإنها تجرى اليوم الأربعاء الجولة الثالثة التي يكفي الحصول فيها على 276 صوتا للفوز بالمنصب. وإن لم يحصل أي من المرشحين في الجولة الثالثة على هذا العدد من الأصوات، فإن الجولة الرابعة ستجرى بين المرشحين اللذين حازا على أعلى نسبة من الأصوات، ما يعني أن الجميع سيعرف اسم رئيس البرلمان التركي الجديد في نهاية اليوم.
البرلمان التركي المكوَّن من 550 مقعدا، فيه 258 نائبا من حزب العدالة والتنمية و132 نائبا من حزب الشعب الجمهوري و80 نائبا من حزب الحركة القومية و80 نائبا من حزب الشعوب الديمقراطي. ولا يحق لرئيس البرلمان المؤقت، دنيز بايكال، التصويت في انتخابات رئيس البرلمان.
الأحزاب الأربعة قررت دعم مرشحيها في الجولات الثلاث الأولى، ولكن الجولة الرابعة لن يخوضها إلا مرشحان فقط. وإذا صوّت جميع النواب في الجولة الثالثة لمرشحي أحزابهم فهذا يعني أن الجولة الرابعة سيخوضها مرشح حزب العدالة والتنمية عصمت يلماز ومرشح حزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال، ولكن أصوات حزبي الحركة القومية والشعوب الديمقراطي هي التي ستحسم النتيجة. وقد يحصل دنيز بايكال في هذه الجولة الأخيرة على أصوات كلا الحزبين بالإضافة إلى أصوات حزبه فيفوز برئاسة البرلمان، إلا إذا صوّت نواب حزب الحركة القومية لمرشح حزب العدالة والتنمية حتى لا يصطفوا مع حزب الشعوب الديمقراطي، فالفوز سيكون بالتأكيد من نصيب عصمت يلماز.
انتخاب رئيس البرلمان لن يحل التعقيد الذي أفرزته نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من الشهر الماضي، ولكنه سيفتح الباب للانتقال إلى مرحلة السعي لتشكيل الحكومة. وما زالت مواقف الأحزاب الأربعة وتصريحات قادتها تؤكد أن مهمة تشكيل الحكومة ستكون صعبة للغاية.
استطلاعات الرأي تشير إلى أن الشارع التركي يريد حكومة ائتلافية يشكلها حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية، إلا أن مواقف قيادة حزب الحركة القومية من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وشروطها المسبقة تحول دون ذلك. وإن لم تتراجع قيادة حزب الحركة القومية عن تلك الشروط التعجيزية فليس هناك أدنى احتمال لتشكيل هذه الحكومة.
رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي يشترط للمشاركة في تشكيل الحكومة مع حزب العدالة والتنمية تصفية أردوغان سياسيا وحبسه بين جدران القصر الرئاسي وإبعاده عن حزب العدالة والتنمية. وهذا الشرط في الحقيقة هدف أحزاب المعارضة كلها، لأن الجميع يدرك تماما أن منافسة حزب العدالة والتنمية ستكون أسهل في غياب عنصر أردوغان، ولكن حزب العدالة والتنمية ما زال يتمسك برئيس الجمهورية ويعتبره "خطا أحمر"، ولا يمكن أن يقبل بالمساس به من أجل تشكيل الحكومة.
هناك مخاوف لدى قادة حزب الحركة القومية من أن تؤدي مشاركتهم في الحكومة الائتلافية إلى تراجع شعبية الحزب، وتنبع هذه المخاوف من التجربة المرة التي عاشها حزب الحركة القومية خلال مشاركته في الحكومة الائتلافية برئاسة بولنت أجاويد، لأن الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت الحكومة آنذاك تراجعت شعبيتها بشكل كبير ولم ينجح أي منها في تجاوز حاجز الـ10 بالمائة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، وتراجعت شعبية حزب الحركة القومية في تلك الانتخابات إلى 8.3 بالمائة بعد أن كانت حوالي 18 بالمائة في الانتخابات التي أجريت قبلها في 18 نيسان/ أبريل 1999.
حسابات قادة حزب الحركية القومية مبنية على أن الانتخابات المبكرة لا مفر منها، وأن أي حكومة ائتلافية في الظروف الراهنة لن تعيش طويلا، وأن الأحزاب المشاركة في تلك الحكومة ستخسر جزءا من شعبيتها في الانتخابات المبكرة. والخيار الأفضل بالنسبة لحزب الحركة القومية هو تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعوب الديمقراطي لتشكيل الحكومة، لأنه يأمل أن يحصل على نسبة من أصوات الناخبين الأتراك الذين صوَّتوا في الانتخابات الأخيرة لصالح حزب العدالة والتنمية، ولكنهم لا يؤيدون مشاركة حزبهم مع حزب الشعوب الديمقراطي في أي تشكيلة حكومية، إلا أن هذا الخيار لا يبدو ممكنا في ظل تشنج حزب الشعوب الديمقراطي ومواقفه المعادية لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي فإنه يحاول أن يدفع حزب العدالة والتنمية باتجاه التحالف مع حزب الشعب الجمهوري، ويتهرب من المشاركة في أي حكومة ائتلافية، مفضّلا البقاء في المعارضة حتى الانتخابات القادمة.
هذه حسابات حزب الحركة القومية، إلا أنها مغامرة سياسية غير محسوبة العواقب، لأن حزب العدالة والتنمية ليس مضطرا للتحالف مع أي حزب من الأحزاب الثلاثة، وهو إن لم ينجح في تشكيل حكومة ائتلافية تلبي شروطه فإنه لن يتردد في اللجوء مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع، لأن استطلاعات الرأي تشير إلى ارتفاع شعبية حزب العدالة والتنمية مرة أخرى إلى حوالي 45 بالمائة في ظل تزايد الاستياء في صفوف الناخبين من حالة الغموض وعدم الاستقرار السياسي.