بات فيصل قاسم توأما لبطل لمسرحية النرويجي هنريك أبسن و"عدو الشعب"، ومن أعضاء الموساد هو وماهر شرف الدين وعزمي بشارة.. وقريباً جداً قد نجد صلاح الدين الأيوبي معهم! القاعدة "عندهم" هي: من ليس معنا فهو من الموساد، ذلك أن فيصل القاسم حاول البرهان السياسي على سلامة نظرية دارون، وأن أصل الدكتاتور غوريلا.. أما ماهر فيرى أن أصله بقرة. البقرة والغوريلا حيوانات غير متوحشة، لكن التعالي والغرور واختلاق أنداد لله على الأرض هي مربط البقرة، وسأحاول البرهان يا نمل الزمان - مع الاعتذار لصاحبة الجلالة والكمال ملكة الجمال الدارويني- على أن نظرية دارون الحاكمة في سورية صحيحة.
فاتتني حلقة الاتجاه المعاكس الأخيرة، ووجدت نفسي مضطراً إلى استعادة الحلقة من الشبكة العنكبويتة، بعد أن شعرت أن "الثورة السورية الكبرى" قد أطلقت في حلقتها الثانية على مواقع التواصل الاجتماعي. الأولى قادها سلطان الأطرش ضد الاحتلال، والثانية حفيداه ضد أذناب الاحتلال القرمطي لسورية. قرأت تعليقات وشتائم ومقالات وعظية حول الأخوة والوطن والوطنية وغرابة ما يحصل من فتن نائمة أيقظها فيصل القاسم. بعد الحلقة صدّر القاسم وشرف الدين في صفحتيهما إشعارات توضيحية وتفسيرية للحلقة. وأن تهديدات أرسلت إلى القاسم بتعليق مشنقتيهما في المرجة، ولو نفذ التهديد، سيكون يوم التنفيذ عيداً حقيقيا للشهيد، وليس يوم 16 أيار الذي فرض على السوريين يوما للشهيد فرضاً، وأطلق على جمال باشا السفاح ذلك اللقب المخيف من أجل بضعة أشخاص أعدموا، وإعدام شخص واحد بغير نفس أو فساد في الأرض جريمة كبرى. من يقتل نفساً هو قاتل، من يقتل اثنين سفاح، ومن الطرائف الدامية أن من يقتل شعبه بكل الأسلحة المحرمة دولياً وأخلاقياً مقاوم وممانع و.. رمز.
أعتقد أن سبب الغضبة على القاسم وشرف الدين ليس تكرار القاسم لأداة التحقير (أو التحبب) التي تستعملها الطائفة الحاكم التي استعبدت أمة مدة نصف قرن، لكني أعتقد أنها البقرة، ذلك أن ماهر أهان "المستعلين" في الأرض بالإقامة مع البقر، في غرفة النوم! فهم أحفاد الشمس والقمر وعشتار الذين سرق منهم السنّة سنتهم السورية، وفرضوا عليهم التقويم القمري (الهجري). والتي احتفلوا بها قبل شهر مع صحف إيران التي تحتفل أيضاً بسنتها الفارسية، وتفصل السنة السورية عن السنة الفارسية عشرة أيام نحسات.
ماهر شرف الدين شاعر رقيق، لكنه مكلوم الكرامة مثل بقية السوريين، وعندما يدفع عن نفسه وأمته تهمة القرد التي حاول النظام مسخ الشعب إليها عبر أربعين سنة من الحكم بحكم الحوافر العسكرية التي بنوا لنعالهم أنصاباً وتماثيل. أبدعت دكتاتوريات هتلر وستالين وخوجة صناعة وطنيات ناقصة، أما الدكتاتورية التي قامت في سورية تحت اسم البعث قناعاً فلم يسبق لها مثيل حتى في كوريا الشمالية بدليل أن كوريا صنعت قنبلة نووية.
يروي شرف الدين في حلقات الاتجاه المعاكس أمثلة من تجربته الخاصة، أدلة وبراهين يقوم بتعميمها، لكن سيندر، إن لم يعدم، أن تجد سورياً سنياً أو مسيحياً أو درزياً ليس عنده مثال مشابه، وأخشى أن يكون التعميم صحيحاً، فحتى الآن لم تلد الطائفة الكريمة حزباً أو جماعة معادية للنظام الحاكم في سوريا. أما الأفراد العشرة الذين وقفوا مع الثورة فنصفهم يكرر أن السنّة يملؤون جبهة النصرة أو يقدسون أردوغان كما يعبد العلويون الأسد!
من تجاربي أني سمعت مخبراً متنكراً (مثل مسرحية مأساة بائع الحليب لسعد الله ونوس) يبيع الفول ثم يحاول إغراءهم بالتحريض أو بالاستثارة وانتقاد الدولة أو بإهانة دين الضيوف لاستفزازهم؛ يقول: إن هذا الجامع وكرٌ. بحسب العلامة أدونيس المحب للمسرح والعتبات المقدسة عربة الفول هي الثابت والجامع هو المتحول!
ومن تجاربي أن سيارة شبح متطورة وقفت أمامي في أول سنة الثمانينيات في واقعة تشبه وقائع ألف ليلة وليلة، ونزل منها السائق مسلحاً مستنكرا نظرتي المحتقرة! الحقيقة أن نظرتي كانت مستغربة كيف يقود قرد سيارة زجاجها أسود ممنوع بحسب قواعد المرور، وقتها حلاوة الروح دفعتني إلى الاعتذار والاستذلال، فطاب خاطره. وأن جاري كان يعمل في مطعم يمتلكه رجل من الطائفة الكريمة ويعود جائعا ولما سألته قال: حمل الطعام إلى الدار ممنوع، وهم يدفنون أطنان بقايا الطعام الفاخر تحت التراب!
إن الاستبداد لا يفرق بين الطوائف وعابر لها، وهذا صحيح، ويستشهد عادة بما يجري في مصر، فالمستعلين من الطائفة الأم، وكان مبارك والقذافي وصدام حسين من أهل السنة بالولادة، لكن لم يحدث أن قصف أحد هؤلاء شعبه بالكيماوي، سوى صدام حسين العروبي السني، في حلبجة. وهو نفسه الذي قصف إسرائيل اضطراراً، وكنت أتمنى لو يفعل النظام العلوي المقاوم، ولو بمدفع رمضان، لكن رمضان شهر قمري وافد. والقصف سيجري في الوقت المناسب، على الأغلب في الأول من نيسان.
يقال عادة: "كانت الفتنة نائمة، ولعن الله من أيقظها".. و"الفتنة أشد من القتل" ولا يشرح النظام الذي يدافع عن الثروة والسلطة بالكيماوي وحسون معنى الفتنة، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، فالفتنة بالمعنى المعجمي الاختبار بالنار، وصرف المؤمنين عن دينهم. كانت النار في الشارع والتلفزيون والصحيفة والزنزانة الانفرادية، تحرق البلد وتحوّل أكرم شعب إلى أمة قرود صينية، تسمع وترى وترفع الوشايات والتقارير في بعضها البعض.
المقاومة السورية لاستبداد "المستعلين" علواً في الأرض بها مئات الفصائل الإسلامية المتفاوتة في اعتدالها أو تشددها لكن النظام طائفة واحدة، وباتت- لأن الاستبداد جشع - في السنوات الأخيرة تحتكر كل شيء، فكانت صيحة "الشعب السوري ما بينذل" هي الحلقة المفقودة في رفض نظرية تحويل الشعب إلى ما يشبه قرد النور الأسير: يرقص فرحا بلقمة طعام ويقلد عجين الفلاحة ورقصة الصبية "العفوية"...
رفض الشعب السوري أن يعبد العجل – ابن البقرة إياها- الذي حكم السوريين حوالي نصف قرن، وهو عجل يشبه كائن سلفادور دالي الخيالي؛ فله أطراف وحيد قرن وأذنا فيل ورأس قرد وأنياب ذئب ورقبة زرافة تصل إلى قم وآلموت.. في بلاد فارس.