لا حديث يعلو في مصر على حديث التسريبات، التي كان آخرها تلك الخاصة بمكتب رئيس ما بعد الانقلاب بمصر المشير عبدالفتاح السيسي، والتي أثارت ردود فعل وتساؤلات حول توقيت تسريبها، ومن يقف وراءها.
وعلى مدار اليومين السابقين؛ نشرت فضائية الشرق المصرية تسريبين اثنين، الأول يطلب فيه مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل، من ممدوح شاهين مساعد السيسي آنذاك؛ التدخل لدى القضاء من أجل مساعدة أحد الضباط المتهمين بالقتل الخطأ في سيارة ترحيلات أبو زعبل التي حدثت في الثامن من أغسطس/ آب 2013 وراح ضحيتها 36 شخصاً؛ لأنه ابن لواء في الجيش، ووافق شاهين على الطلب واعداً إياه بتسوية هذا الأمر.
أما التسريب الثاني؛ فقد كشف عن اتصال هاتفي بين اللواء عباس كامل وبين النائب العام المصري هشام بركات، للتوسط لصالح رجل الأعمال حسن محمد حسنين هيكل، ابن الكاتب المعروف؛ بهدف إخراجه من قضية التلاعب في البورصة المتهم فيها مع جمال حسني مبارك؛ نجل الرئيس المخلوع.
صراع داخلي
وقال مدير مركز هشام مبارك الحقوقي مصطفى أبو الحسن، إن التسريبات تؤكد أن هناك اختراقاً في جسد النظام حتى العظم، سواء من أجهزة داخلية أو خارجية، تشير إلى وجود أزمة في نظام الحكم.
وأضاف لـ"عربي21" أن من يقوم بتلك التسريبات يعرف ماذا يسرب، ومتى يسرب، مشيراً إلى أنها "تدلل على مدى الفساد في أجهزة الدولة المصرية".
واستنكر أبو الحسن "التوغل على السلطة القضائية، وتداخل أعمال السلطات، والاستهانة بأرواح المصريين؛ من خلال الحديث عن أرقام مجردة، وقتلهم بدم بارد دون محاسبة حقيقية، والترسيخ لسياسة الإفلات من العقاب".
وقال إن "العدالة في مصر تعيش حالة اهتزاز شديد، ما يزيد من حالة الاحتقان الداخلي لدى المواطنيين، وفقدانهم الثقة في مؤسساتهم نتيجة عدم احترام القانون"، مضيفاً: "آن الآون أن يعرف الناس الحقيقية، ومن مع الثورة، ومن هو ضدها".
تصفية حسابات
ويبقى الحديث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تلك التسريبات؛ عبارة عن تكهنات غير محسومة، بحسب عضو المكتب التنفيذي لحزب الوطن د. أحمد بديع الذي استدرك بالقول إنها "تأتي في إطار تصفية الحسابات داخل نظام السيسي".
وأضاف بديع لـ"عربي 21" أنه "لا يمكن أن تخرج تسريبات بهذا القدر من الأهمية إلا من خلال أشخاص نافذين بهدف وضع منافسين لهم تحت ضغط معين تمهيداً للتضحية بهم"، في إشارة إلى مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل.
وتابع: "علمتنا تجارب التاريخ أن الحاكم يبدأ في التخلص ممن ساعدوه على الوصول للحكم بمجرد استبباب الأمر له، وهذا ما تمهد له التسريبات".
بدوره؛ قلل التحالف الثوري لنساء مصر من أثر تلك التسريبات، التي عدّها انعكاساً طبيعياً لواقع يعيش فيه المصريون منذ انقلاب 3 يوليو.
وقالت المنسق العام للتحالف منال خضر لـ"عربي 21": "اعتدنا على مخططات المجلس العسكري عقب ثورة يناير، والتفافه على إرادة المصريين من خلال اعتماده وسائل خبيثة".
وأضافت أن التسريبات لها هدف واضح يتمثل في سعي الأطراف المتناحرة داخل أجنحة النظام القضاء على بعضها البعض، والاستحواذ على المناصب، مشيرةً إلى أن "النظام أخفق داخلياً وخارجياً، وباتت مصداقيته على المحك أمام العالم".
أما المنسق العام لحركة "قوميون وناصريون ضد المؤامرة" سيد أمين؛ فقد ذهب إلى أن تلك التسريبات تنذر بتغيير مقبل بسبب الصراع بين أطراف منظومة حكم السيسي.
وقال لـ"عربي21" إن هناك من استشعر استهدافه بالتغييرات القادمة في نظام السيسي؛ فبادر إلى نشر الترسيبات، مضيفاً أن "النظام الذي لا يستطيع الحفاظ على أسراره ويتم اختراق أقرب دوائره؛ لا يمكن الوثوق فيه، ومآله إلى زوال".
إشاعات مغرضة
على الجانب الآخر؛ اعتبر اللواء محمود زاهر، ضابط المخابرات السابق والخبير الأمني والاستراتيجي، أن هناك محاولات حثيثة لضرب الثقة بين المواطن والدولة من أجل خلق حالة من عدم الاستقرار.
وقال لـ"عربي 21" إن مصر مستهدفة كدولة، وهناك أجهزة استخباراتية تسبق أجهزتها وتتفوق عليها، وتهدف إلى إضعافها بالتنسيق مع بعض الجهات الداخلية، مطالباً الدولة بـ"زيادة حالة الوعي لدى المواطنين من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ومؤسساتها المعنية بالتثقيف".
ووصف زاهر تلك التسريبات بـ"الإشاعات الكاذبة والمغرضة، التي يجب على الدولة مواجهتها، لا تجاهلها"، مستبعداً أن تسفر عن أية تغييرات داخل منظومة الحكم "لأن الدولة قادرة على التعامل معها بحنكة" على حد تعبيره.
من جهته؛ قال مؤسس مجموعة مكافحة الإرهاب الدولي، اللواء رضا يعقوب، إن التسريبات تأتي في سياق "استمرار المحاولات من الداخل والخارج لإضعاف الدولة المصرية، وضرب مؤسساتها من خلال الإشاعات".
وأضاف يعقوب لـ"عربي 21" أن "الإرهاب يسعى لفصل الشعب عن الدولة، وإفساد العلاقة بينهما" مطالباً الحكومة المصرية بـ"متابعة الأمر وتقديم المسؤولين عن التسريبات للقضاء".