رصد مراسل "عربي21" العديد من المآسي والروايات المؤلمة التي حملها الفارون من كوباني معهم الى الحدود التركية عند معبر بوابة "مرشد بنار" الانساني الذي افتتحته تركيا لاستقبال عشرات الالاف من السوريين النازحين من جحيم تنظيم الدولة بمدينة عين العرب "كوباني"، حيث بدا المشهد أقرب الى فزع يوم القيامة حيث الناس يهرولون حاملين أطفالهم وسط صراخ وبكاء ويتزاحمون بالالاف لعبور بوابة الحدود بشكل مأساوي.
ورصد موقع "عربي21" وصول عدد كبير من الهاربين من "كوباني" ماشياً لساعات على أقدامه مسافات طويلة لعبور الحدود، وخلفهم على مد البصر ألسنة الدخان تتصاعد في الجانب السوري وأصوات القذائف تدوي.
ومع ضربات التحالف بدأت "داعش" قصفاً مجنوناً وبلا رحمة بقذائف الهاون والصواريخ لجميع القرى المحيطة بمدينة عين العرب حتى تمكنت من اقتحامها أخيراً وسيطرة على غالبية أحيائها والمواقع المهمة فيها.
ومنعت قوات الشرطة والجيش التركي مراسل "عربي21" من الوصول الى البوابة الانسانية التي أعلنوها مناطق مغلقة بسبب الاشتباكات القريبة من الحدود التي يستطيع السكان في الجانب التركي سماعها.
والتقى مراسل "عربي21" بمئات اللاجئين الفارين من الجحيم السوري حيث استقبلت تركيا خلال أيام أكثر من 180 ألف لاجئ، حيث وصفوا وضعاً انسانياً كارثياً بالغ السوء.
وقال الحاج محمد الكردي البالغ من العمر 51 عاماً لــ"عربي21" إنه يعمل مهندس ديكور من قرية بوغاز التي تبعد 20 كم عن مدينة كوباني، مضيفاً: "جئنا للحدود هرباً من القصف الذي لا يتوقف علينا من قبل "داعش" فضلا عن اقتحام مئات المسلحين التابعين لهم مئات المنازل بالقرى المحيطة بمدينة عين العرب حيث سلبوا ونهبوا وقتلوا وخطفوا النساء مما دفعنا للاسراع بالهرب بعد أن وصلتنا أخبار الفظائع بالقرى المجاورة دون التفرقة بين مدني وعسكري"، مشيراً الى أن "السبب الرئيس الذي دفع كثيراً من العائلات للهروب هو اغتصاب النساء وخطفهن".
وأضاف: "لقد هاجموا منزل ابن عمي وكان الجميع قد فر ولكنه معاق بشلل في قدميه؛ أمسكوا به وذبحوه بلا رحمة.. ورغم أن كل مدينة عين العرب مسلمين وسنة إلا أن "داعش" لا تستهدف الا المسلمين السنة"، على حد تعبيره.
ويتابع الحاج محمد: "90% من سكان مدينة عين العرب أكراد سنة و10% عرب سنة، ويوجد في زمام مدينة كوباني أو عين العرب 400 قرية من بينهم 100 قرية عربية و300 قرية كردية ورغم ذلك قذائف "داعش" تقتل الجميع والتكفير للجميع".
وتجول مراسل "عربي21" بين المئات من اللاجئين ليجد أمامه من هو شارد الذهن، ومن يحمل معه من الهم الكثير الكثير.
ويقول أحد اللاجئين، واسمه حاج عبد الكريم (49 عاماً) إنه كان يعمر تاجر سيارات بوسط مدينة كوباني في منطقة طريق جارالوس بجوار المجمع التربوي، مضيفاً: "أفقدتني الحرب كل ما أملك والآن السلطات التركية ترفض حماية سياراتنا التي بقيت لي، ولكني أحمد الله انني أصبحتُ الان مطمئناً على أرواح أبنائي وعائلتي بعدما كانوا معرضين للموت في أي لحظة من القصف العشوائي المتواصل من "داعش".
وواصل عبد الكريم متحدثاً لــ"عربي21": "عندما وصلتنا الاخبار بانه بدأ الاقتحام للقرى المجاورة وإبادة من فيها لم أفكر كثيراً، واصطحبتُ أولادي للجانب التركي، وقد أحسن الاتراك استقبالنا في مدينة سروج وما حولها، بينما الحكومة التركية لم تقدم أية مساعدات حتى الان".
ووسط الازدحام والتدافع بين المئات ان لم يكن الالاف بجوار خيمة لتطعيم الاطفال السوريين النازحين بمجرد دخولهم تركيا كان ثمة أسرة مكونة من عشرة أشخاص، حيث روى رب تلك الأسرة لـ"عربي21" المأساة بالقول: "اسمي مهدي بكري وعمري 35 سنة، وكنتُ أسكن في الشارع الرئيسي بوسط مدينة كوباني وأعمل مهندس اليكترونيات واقوم باصلاح اجهزة الكمبيوتر والتلفزيونات وغيرها من الاجهزة، وخروجنا سببه 3 سنوات حصار، وتوقف مظاهر الحياة وتكفيرنا من قبل "داعش" واستباحة دمائنا وأموالنا وأعراضنا رغم أننا جميعاً مسلمون سنة سواء من كان منا عربياً أو كردياً.
وقال: "لم نستسلم لغطرسة "داعش" ووحشيتها وقاومنا ومنعناهم 3 سنوات من دخول المدينة أو احتلالها وكنا نزرع وننتج ما نحتاج اليه من طعام للتغلب على الحصار المضروب حول المدينة طوال 3 سنوات ولكننا أمام قصف مدافع الهاون العشوائي وفي كل مكان لا يممكننا أن نستمر وحفاظا على أرواح أبنائنا وعائلاتنا اضطررنا لنقلهم الى الجانب التركي حتى يمكننا العودة لمواصلة قتال "داعش".
ثم تنهد بكري بألم وحسرة قائلاً: "تواصل القصف المدفعي قبل خروجنا، وبعد سقوط ثلاثة صواريخ بنفس الشارع قُتل أبناء الجيران في الحال وطارت أطراف أحدهم وأصيب آخرون أمام أطفالنا ونسائنا في المنزل مما اصابهم بحالة من الفزع الرهيب ورعب للاطفال لم أستطع بعدها أن أبقى".
ويصف بكري المدينة بالقول "الموت يحيطك في كل مكان ومن كل جانب.. فقررنا الخروج".
وقالت زوجته ان "هذه القذائف سقطت علينا ونحن جالسين أمام البيت ما أصابنا بالفزع وتسبب في اصابة ابنائنا بالفزع وحالات البكاء الهيستيري مما اقلقنا عليهم وقررنا الخروج".
ثم تكررت نفس التفاصيل المؤلمة والمأساوية على لسان حاج حسين علي ذو الـ56 ربيعا من قرية جريلك وكان يعمل سائقاً بهيئة النقل العام السورية على خط اتوبيس (انطاكيا- باب الهوى) حيث قتلت القذائف 4 من أبناء جيرانه الملاصقين له في الحي.
أما السيدة سعاد صالح التي كانت ترتسم على وجهها ملامح المأساة فقالت: "عمري 45 سنة وأسكن بشارع مشفى علوش في عين العرب وسط مدينة كوباني قرب خط الحدود التركي السوري وحاصرتنا القذائف حتى أخرجتنا".
وقال يامان حمو من كوباني: "عمري 23 سنة وأدرس الحقوق في جامعة حلب ولكنني منذ سنتين لا استطيع الذهاب الى الجامعة نتيجة الحصار وقذائف الهاون التي دفعتنا للهروب بحياتنا من الموت".
والتقطت الفتاة مزكين حاجم (26 سنة) الخيط قائلة: "كنتُ معلمة بالمدرسة الابتدائية وأدرس الادب التركي بجامعة حلب، لكننا هربنا الى هنا حتى لا نصبح سبايا لمقاتلي "داعش" الذين ذبحوا عمي الشقيق المزارع الطاعن في السن بقرية مزاعة البصراوي لأنه رفض الخروج مع أولاده.
وأكد ذلك الدكتور ادريس قادر أخصائي التخدير بمستشفى عين العرب وعمره 37 سنة، وكان يسكن بمنطقة "بمراجيك" في قلب المدينة وفر خوفا على أبنائه من الموت بعد القصف المكثف منذ اسبوع. كما انه قد يفقد سيارته لرفض السلطات التركية حراستها او السماح له باستخدامها في تركيا.
وقال شوفان قادر الناشط بحركة شباب الكرد بسوريا (33 سنة): "ظللنا نقاوم تنظيم "داعش" ثلاثة سنوات حتى بدأ بالقذف العشوائي المجنون لقتل اطفالنا ونسائنا فقررنا إخراجهم من المواجهة حتى نستطيع الدفاع عن مدينتنا ببسالة.
ورصد مراسل "عربي21" سيارات نقل كبيرة تنقل المئات من النازحين الفارين من القصف الداعشي قادمين من منطقة مارديس الحدودية القريبة من بوابة مرشد بنار باتجاه مدينة سروج حيث افترش الالاف الشوارع الجانبية والحدائق العامة والمساجد وجراجات بعض البيوت، اضافة الى الآلاف الذين يقطنون المخيمات حالياً.