كتب غازي العريضي: يقول أحد السياسيين المخضرمين الخبراء في السياسة الأميركية: «نحن في حاجة إلى مجمع منجّمين لمعرفة حقيقة موقف الإدارة الأميركية من الأحداث في سوريا. الحقيقة الوحيدة الثابتة هي أن سوريا تتحطم، تتحّول إلى ركام، شعبها لاجئ، مهجّر، تائه، محاصر، جائع، جيشها مستنزف. الدولة قد تنهار، ووحدة البلاد مهددة.. هل هذا ما تريده أميركا؟ إن الرابح من هذه النتيجة إسرائيل، وإسرائيل فقط»!
وإذا استعرضنا المواقف الأميركية الأخيرة قبل وبعد زيارة أوباما إلى المملكة العربية السعودية لفهمنا هذا القول. السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد قال منذ أيام: «لا حلّ في الأفق في سوريا. بنية الدولة السورية تنحلّ.
والأسد أكثر اعتماداً اليوم على المقاتلين الأجانب مثل حزب الله ومليشيات عراقية».
وحذّر فورد من خطر التفكك مشيراً إلى أنه «ولو أحرز النظام تقدماً على الحدود مع لبنان، فإن الجبهة الشمالية أو الشرقية الجنوبية ستخلق مشاكل وهذا الأمر لا ينتهي».
ونصح فورد المعارضة بضرورة «أن تتأقلم مع المتغيرات في استراتيجية النظام وتركز بشكل أقل على السيطرة على أراض وأكثر على استهداف إمدادات الأسد»! كيف سيتم ذلك؟ هل لدى المعارضة القدرة على مراقبة الإمدادات إذا كان كل المجتمع الدولي يقف عاجزاً عن القيام بهذا الدور ولا يقدم المساعدة للمعارضة؟
ويذكر في هذا السياق أن مسؤولاً إيرانياً متابعاً بدقة لتفاصيل الوضع في سوريا، قال منذ مدة قصيرة لسياسي لبناني ساخراً من حديث الأميركيين عن إجبار العراقيين على تفتيش طائرة إيرانية متجهة إلى سوريا: «يقولون إنهم أوقفوا طائرة لنا وفتشوها في العراق، ويتناسون أن 1500 شاحنة إيرانية تعبر الحدود العراقية يومياً إلى سوريا»!
وقال فورد: «الضربات الجوية والطائرات من دون طيار لن تحل المشكلة والمطلوب حل سياسي»! وفورد يعرف، وقد سمع بالتأكيد الأخضر الإبراهيمي يقول: «ليس في الأفق حل سياسي والأمور تعقدت. وجنيف 3 ليس قريباً»!
إذن، لا حل عسكريا وليس في الأفق حل سياسي. ماذا يحصل غير الخراب والدمار وحتى إشعار تواصل قوات النظام تقدمها وقوات المعارضة تراجعها مع المزيد من الخلافات في صفوفها وبين داعميها؟ وفي هذا الإطار أشار فورد إلى أن إيران والولايات المتحدة «تتشاركان في مكافحة الإرهاب»! وأن طهران لا يمكن أن تكون سعيدة بتغلغل «القاعدة» في سوريا!
إذن هناك تلاق للمصالح في هذا المجال بين إيران وأميركا، إضافة لمعالجة الملف النووي الإيراني عبر التفاوض. فكيف يكون التغيير في سوريا الذي أكد عليه فورد؟
أوباما أكد ما قاله فورد قبل وصوله للسعودية: «إنه غير صحيح الاعتقاد بأننا كنا في موقف نستطيع فيه من خلال توجيه ضربات محددة الأهداف، أن تمنع حصول ما نراه اليوم في سوريا.
وحتى في ظل سيناريو التدخل العسكري ليس مؤكداً أن النتيجة ستكون أفضل بكثير»! وبعد زيارته السعودية، لم يكن ثمة تأكيد حاسم بأن الرئيس الأميركي وافق على تسليح المعارضة بما يمكنها من تغيير موازين القوة على الأرض للدخول في الحل كما أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، وأشار إليه المبعوث الأميركي الجديد إلى سوريا، دانيال روبنشتاين عندما تحدث عن أهمية التنسيق الإقليمي، أي «فعل ما أمكن لضمان أعلى درجة ممكنة لتوحيد المعارضة المعتدلة وتقويتها»!
وربط تحقيق ذلك بالتوازن على الأرض ونهج النظام حيال آلية جنيف للوصول إلى مرحلة انتقالية.لا حل عسكرياً، وإذا حصل فلن يؤدي إلى نتيجة. نعم للتوازن على الأرض للدخول في الحل السياسي. ولا تسليح للمعارضة.. كيف يتحقق ذلك؟
السفيرة الأميركية في القاهرة باترسون التي عينّت مساعدة لوزير الخارجية، سئلت في مجلس الشيوخ عن الموقف من الأحداث في سوريا، واتهام إدارتها بعدم وجود خطة لدعم المعارضة فقالت: «لدينا خطة واضحة»، وسئلت: ما هي؟ فقالت: «لا نستطيع الحديث عنها»!
أما وزير الخارجية كيري فأعلن في باريس بعد لقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف، أن «أميركا لن تسلّم المعارضة السورية صواريخ أرض جو»، في نفي صريح للأخبار التي تكهنت باحتمال تسليح المعارضة أثناء زيارة أوباما للسعودية!
صحيح أننا بحاجة لمنجمّين! حتى المسألة الإنسانية لا حلّ لها رغم قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139. فكل الإحصاءات تشير إلى أن الوضع اليوم أسوأ مما كان عليه قبل صدور القرار.
والكل يتحدث عن مسؤولية النظام بشكل أساس ويحمّله المسؤولية الأكبر عن تفاقم الأزمة وعن تجويع وحصار الناس ورمي البراميل المتفجرة فوق رؤوسهم. بل ذهب بعضهم إلى مناشدة النظام والطلب إلى داعميه ممارسة الضغط عليه ليقبل بتطبيق القرار، لكن شيئاً لم يتحقق حتى الآن.
وقد نشرت تقارير تفيد بأن خسائر الجيش السوري بلغت نحو 30 ألف جندي. ولهذا قال السفير فورد إن الأسد بات أكثر اعتماداً على المقاتلين الأجانب من «حزب الله» والمليشيات العراقية.
إضافة إلى معلومات تحدثت عن توجه للاستفادة من الخدمة الإلزامية لتأمين حوالي 20 ألف جندي جديد غالبيتهم ستكون من لون مذهبي معين، لأن كثيرين غادروا البلاد وكثيرين لن يلتحقوا بالخدمة الإلزامية اليوم! كذلك نشرت تقارير عن أن 40 في المئة من سكان سوريا صاروا بدون مأوى وهناك ثلاثة ملايين لاجئ و150 ألف قتيل!
الكاتب الأميركي ديفيد اجناتيوس، يكرّر دائماً عبارة الرئيس الأميركي المميزة بشأن «الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ». وفي سياق حديثه عن الموقف الأميركي من الأزمة الأوكرانية، توجّه أوباما في بروكسل إلى قادة الاتحاد الأوروبي بالقول: «إن الحرية لا تأتي مجاناً»!ترى هل الموقف الأميركي مما يجري في سوريا هو الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ، ومع الحرية التي يدفع ثمنها غالياً الشعب السوري؟ أهذا هو الجانب الصحيح؟ أهذا هو التاريخ الذي تريده الإدارة الأميركية؟ وهل الموقف الأميركي مما يجري في فلسطين هو الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ أم أنه انحراف عن التاريخ ومحاولة لرسم تاريخ ومستقبل للمنطقة مخالفين للمنطق ولتجارب الشعوب وضد كل القيم الإنسانية؟
ويضيف أوباما: «كان بإمكاننا ألا نبالي بما يحدث في أوكرانيا. لكن هذه اللامبالاة لا تعني عدم الاهتمام بما تعنيه المقابر حول أوروبا بسبب الحربين العالميتين».
ترى لماذا اللامبالاة بتضحيات الشعب السوري وما يتعرض له واللامبالاة حيال الشعب الفلسطيني وحقوقه؟ هل المطلوب تعميم المقابر في سوريا وفلسطين وحولهما لتدفن مع الأبرياء كل الأحلام بالحرية والكرامة والعدالة؟
إسرائيل تتلقّف كل هذه المواقف، وتستغل الحروب والتناقضات والمشاكل العربية لتهوّد فلسطين وتعلن أن الجولان سيبقى تحت سيطرتها إلى الأبد. وثمة من يتحدث عن انتصارات! إنها صفحات سوداء من تاريخنا تكاد تغطي على الانتصارات الحقيقية!
(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية 5 نيسان / أبريل 2014)
1
شارك
التعليقات (1)
ام سامي الكحلوت
السبت، 05-04-201401:58 م
كلام صحيح اسرئيل هي الوحيدة في المنطقة مستعدة لللاستفادة من كل المواقف وجهة نظران اميركا مع الذي يغلب فقط والذي يغلب من يملك القدرةعلى الاستفادة من المسلمين اكثربس بقول الدين الاسلامي دين تجاروالذي يحكم السوق بالدين في المستقبل هو الذي يغلب فقط جربنا الاشتراكية والرأس مالية بقي العالم كله وليس المسلمين فقط يجرب اللاسلام التجاري وما يحدث للمسلمين من قتل في كل بقاع الارض ما هو الادليل على فقهالامم الأخرى ما معنى الاسىلام في السوق وفي التجارة والتاريخ خير شاهد